كيف هيمن الأمن على الإعلام في تونس؟
ياسر ابوهلاله
23-11-2012 05:21 AM
لا تمتلك السلطات العربية القدرات العلمية البسيطة لقراءة أي تجربة؛ لذلك تتكرر الأخطاء، وبشكل مأساوي. وإن كان الشقي يتعظ بنفسه والسعيد يتعظ بغيره، فإن ثمة حالة فريدة في العالم العربي، هي عدم الاتعاظ بالنفس أو الغير! وقد تجلى ذلك في الربيع العربي. فلو أن البلدان العربية درست التجربة التونسية، لاستفادت منها، وتوقفت الثورة هنا وما انتقلت عدواها إلى العالم العربي.
في تونس، هيمن الأمن على كل شيء، واتسم الأمن التونسي بفروعه المتعددة بالذكاء والقدرات الفكرية والعلمية والتقنية، وقسوة بلا حدود قادرة على تدمير الإنسان وأسرته بصمت وبدون ضجيج. وفي حربه على التيار الإسلامي، استعان "الأمن" باليسار المتطرف الذي دخل جهاز الأمن، وكان الضباط اليساريون الأكثر قسوة ودموية. لم يكن ضابط الأمن التونسي مجرد شخص موال للنظام، بل كان مؤمنا بمشروع فكري تغريبي وسياسي استبدادي، يهيمن على الفضاء العام بشكل مطلق.
دمر زين العابدين بن علي الصحافة التونسية المستقلة، وكبل الصحفيين رهبا ورغبا. ولم يكن للإعلام أي دور نقدي؛ بل اقتصر دوره على الإشادة بمناقب بن علي وحرمه ليلى. وتعرض كثير من الصحفيين للاعتقال والتشريد والمضايقة، لكن ذلك يهون أمام سياسة الإغراء والرشوة والاستقطاب الفكري على أرضية معاداة التيار الإسلامي. وإلى اليوم، ما يزال إعلام بن علي يحكم تونس.
إعلام بن علي يحارب حركة النهضة وهي في الحكم، لأنها لا تملك سيف بن علي وذهبه. ويذكر سمير ديلو، وزير حقوق الإنسان، أمثلة كثيرة على ذلك. فمثلا، الإضراب الذي دعي له في سيدي بوزيد كان فاشلا، فقام التلفزيون الوطني بتصوير المحلات في الصباح الباكر قبل أن تفتح، للتدليل على نجاح الإضراب. وقال أيضا عن ديلو الذي أمضى شبابه في معتقلات بن علي، إن سكنه كلف الدولة ملايين الدولارات، مع أنه يسكن في حي شعبي!
انتقلت هيمنة الإعلام إلى خارج تونس أيام بن علي، من خلال وكالة الإعلام الخارجي، إلى درجة تقديم الدعم النقدي لتلفزيون المنار. وفي وثائق وكالة الإعلام الخارجي لا يوجد بلد عربي لم يصل بعض إعلامييه مساعدات هذه الوكالة، منهم من أشاد بتجربة بن علي الديمقراطية، وبعضهم كان مطلوبا منه فقط أن يشتم الإسلاميين، ومنهم اقتصر دوره على منع انتقاد بن علي. ولم تكن في تونس مكاتب للقنوات العالمية كالجزيرة، والموجود كان في إطار السيطرة المطلقة أيضا.
تمرد الشباب التونسي على الهيمنة المطلقة، فتسلل من خلال "الفيسبوك" ووسائل الإعلام البديل. وتصدى لهم البوليس السياسي من خلال تعيين ثلاثة آلاف مهندس ومبرمج ومدون، لا عمل لهم إلا المراقبة والتعطيل والتشويش والرد والنقاش على الفضاء الإلكتروني.
بالنتيجة، انتصر الشباب التونسي بإمكاناته المحدودة في التواصل؛ تمكن من تصوير وبث وترويج الثورة بشكل تفوّق على قدرات النظام غير المحدودة. وغباء النظام المصري قاده إلى تعطيل شبكة الإنترنت وقطع الاتصالات، ومن تلاه لم يكن أقل غباء.
لا أحد يدرس التجربة التونسية، وكثير من الأنظمة العربية لا ترى فيها غير انقلاب عسكري على بن علي، تماما كانقلاب العسكر في مصر على مبارك. ولم يكشف هذا التحليل الغبي إلا انقلاب مرسي على العسكر.
لقد هيمن الأمن على الإعلام وعلى الفضاء العام كله، لكنه هذه الهيمنة تهاوت أمام شباب هواة لا يملكون غير هواتفهم الجوالة وحواسيبهم. وهذا ما تكرر في باقي الدول، ولا استثناءات هنا.
yaser.hilila@alghad.jo
الغد