في عالم كرة القدم , تماما كما في عالم السياسة , هناك ملعب ولاعبون وحكام , وجمهور يراقب ومحللون ينتقدون ويوجهون , في عالم كرة القدم ثمة مساحة هائلة من التشابه مع الحياة , ليس فقط بحكم استدارة كرة القدم وتشابه ذلك مع كروية الارض , او من حيث عدم القدرة على تحديد الاتجاهات , بل من حيث الانقلابات والمفاجآت.
اول مفاجأة تصدم في عالم كرة القدم ان من يمتلك الكرة اكثر ليس بالضرورة ان يكون الفائز , علما بأن المنطق يقول غير ذلك , فنسبة الاستحواذ يجب ان تنعكس على النتيجة , وهذا له ما يشبهه في الحياة فمن يملك الكثير ليس بالضرورة سعيد , او يمتلك صحة او يستطيع اكل ما يشاء.
ثاني المفاجآت ان كلما اعتمد الفريق على السلاسة في اللعب وتمرير الكرة بهدوء والعمل بروح الفريق، كانت النتيجة مضمونة اكثر , وكلما التزم اللاعبون بالقوانين، انخفضت نسبة الاخطاء واكملوا المباراة دون قلق من الطرد او الحرمان من المبارة القادمة , اي ان الفرص ما زالت قائمة للتعويض.
وثالث المقاربات ان الفريق الذي يضيّع الفرص بالضرورة نادم او خاسر , فالكرة على شدة ما تعطي من يعطيها الا انها تعاند من يضيع الفرصة او يستهتر بالفريق ولا يعطيه حقه من الاحترام والالتزام بشروط الملعب وقوانينه , فالحياة كما الكرة لا تدير وجهها دائما لك ولها وجوه متعددة.
وكما في الحياة هناك في الكرة ايضا محللون يقولون كلاما جميلا ومعقولا , ولكنهم ليسوا في نفس ظروف اللاعب ولا في نفس اجواء الملعب وشحناته , وبالمناسبة اغلب المحللين من المدربين واللاعبين السابقين , ومعظمهم لم ينجح في احراز بطولة قط , ومع ذلك يحلل ويقترح الحلول الناجعة وينتقد مدربين خاضوا مباريات وحصلوا على بطولات بعدد شعر رأسه.
ولا بد من تذكر المعلقين , الذين يمدحون على هواهم وينتقدون على هواهم , رغم انهم لم يلمسوا الكرة قط , وليس لديهم سجل في اية لعبة , بل يمتلكون حنجرة قوية ومعلومات عن اللاعبين , ومع ذلك لا يصمتون عن النقد او التوجيه , ولا يكفون عن الحديث والاقتراحات للمدربين وللاعبين , سلسلة طويلة من الحناجر التي تهدر دون ان تلعب يوما.
عالم الكرة المستديرة مشابه تماما للعالم الواقعي , ومبارة كرة القدم هي مثال لدورة حكومية او برلمانية , فيها كل شيء ولا تخلو من حناجر وهدر واصوات وانتقادات , ويمكن للسياسي ان يبني خططه انسجاما مع عالم كرة القدم وان يستفيد وتعلم واهم شيء عليه تعلمه , الهجمة المرتدة؟, لانها قادرة على تغيير كل النتيجة وانهاء المباراة بلحظات رغم استحواذ الفريق الاخر على ارضية الملعب , او كثرة جمهوره ومؤيديه.
في السياسة نحتاج الى تعلم مهارة الهجمة المرتدة , التي تتطلب لياقة عالية وسرعة ومهارة واعصابا حديدية , فالرأي العام متقلب كما نتيجة المباراة , ومن ينجح في حسم الهجمة المرتدة يحسم نتيجة المباراة بالكامل , بعد ذلك هل من سيبقى يسأل لماذا كرة القدم هي اللعبة الشعبية الاولى بين البشر ولماذا يتابعونها بشغف على اختلاف اجناسهم والوانهم؟.
omarkallab@yahoo.com
الدستور