الانحياز الأعمى "لإسرائيل" أهم عوامل الانهيار الأمريكي
د.رحيل الغرايبة
23-11-2012 05:12 AM
السياسة المفروضة على الإدارة الأمريكية بالانحياز الدائم والأعمى للكيان "الإسرائيلي" في كل حيثيات الصراع (الإسرائيلي ـ العربي)، وتأييدها المطلق لهذا الكيان المصطنع في كل عدوان يشنّه على الفلسطينيين أو على أي دولة عربية، وتبرير كل ما يفعله من عمليات اغتيال وتدمير وتشريد، دون أيّ التفات إلى أيّ معنى من معاني الحقّ والعدالة، ولو بشكلٍ جزئي أو ظاهري، وتحول دون صدور أي قرار دولي عن مجلس الأمن يدين أعمال الكيان العدوانية، وتضطر لاتخاذ "الفيتو" عشرات المرات لهذه الغاية، وهذا موقفها الصلب الدائم الذي لا يتغيّر في كلّ المحافل الدولية، وهي لا تكتفي بذلك بل تشن هجوماً إعلامياً، وتوجه انتقاداً شديداً لبعض الدول الصديقة التي تنتقد تصرفات الكيان أو تدين أحياناً ما يصدر عنه من اعتداءات، هذا جزءٌ من السياسة الثابتة لكلّ الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية، فهناك إضافةً لذلك الدعم المالي الكبير والدعم العسكري، وتزويده بأحدث أنواع الأسلحة المتطورة والفتّاكة، كلّ هذا وغيره سوف يشكّل عاملاً مهماً وفاعلاً في انهيار الزعامة الأمريكية للعالم في المستقبل القريب.
لا جدال في أنّ الولايات المتحدة ما زالت تملك قوة هائلة على جميع الأصعدة، وما زالت تتربع على كرسيّ الزعامة لعوامل كثيرة وعديدة، ولكنّها لن تستمر في احتلال هذا الموقع طويلاً، لأنّ القوة العسكرية والاقتصادية والعلميّة، ليست هي العامل الوحيد والأوحد الكفيل باحتفاظها بهذا المركز، مع أنّ هذا العامل بدأ يتعرض للاهتزاز أيضاً، خاصة في المجال الاقتصادي، فهناك عوامل أخرى كثيرة لها أثرٌ كبيرٌ وفاعلٌ لا يستهان به إلى جانب العامل السابق.
إنّ العامل القيمي الأخلاقي المنبثق من الفكر الحضاري، يُعدّ من أهمّ عوامل ازدهار الحضارات وبقائها وديمومتها، وإنّ التمسك بقيم "العدل" والانحياز لجانب الحق، هو المظهر الأكثر أهميّة من مظاهر العامل القيمي الأخلاقي المقصود، فعندما يطغى الجانب المصلحي المؤقت، المرتكز على قصر النظر، والمدعوم بالشعور المليء بالغطرسة والمصحوب بعقدة التفوق العنصري، الذي ينتج الظلم والانحياز الأعمى، وغض الطرف عن البحث والاستقصاء في معرفة الحق، سوف يؤدي بشكلٍ حتميٍ إلى الانحراف عن مسار القوة المعنويّة التي تمثل الرصيد الحقيقي للصعود الحضاري والمزوّد الفعلي لطاقة العقل الجمعي نحو التقدم والتطور.
قد يعتقد كثير من الناس أنّ هذا الكلام مجرد أوهام، وأضغاث أحلام، ويعود ذلك إلى عدم القدرة على إنعام النظر في مسار التحولات الاستراتيجية على الصعيد الاجتماعي، التي تتسم بالبطء الشديد والتغير غير الملحوظ وغير المنظور للعامّة، ولكنّها الحقيقة القويّة التي يدركها علماء الاجتماع، الذين يتصفون عادةً ببعد النظر وعمق التجربة، ودقة الإحساس بالمتغيرات.
لا ينتصر الباطل ولا يستمر العدوان إلاّ عندما تكون الأوضاع مختلّة وغير صحيحة، وعندما يسود التضليل والخداع والجهل والكذب والدجل الذي يتمّ ممارسته تحت سيف القوة، فهذا لن يستمر للأبد؛ لأنّ حبل الكذب قصير، وسوف تصحو الشعوب والجماهير المضلّلة، وسوف تنكشف كل الحيل ومصائد المغفلين، وتظهر الحقائق جليّة واضحة، وعند ذلك سوف تقول الشعوب كلمتها، وسوف يكون لها مواقفها الجمعية الشجاعة، وسوف تنحاز للحق والعدل، ولو بعد تقديم مهرٍ غالٍ من التضحيات وكلفة عالية وضريبة باهظة للنصر، والنصر حليف الشعوب الواعية والعاملة دائماً، والمتمسكة بحقوقها ولا تفرط بأوطانها، مهما كانت الصعوبات وكثرت المعيقات.
الكيان "الإسرائيلي" إلى زوال محتّم، لأنّه كيان قام على الباطل وانبثق من رحم العدوان، مهما أوتي من قوة، وسوف ينهار مع كلّ من أيّده، وكل من قدّم له الدعم وأمدّه بأسباب البقاء، وكلّ من ربط مصيره ببقائه ظلماً وعدواناً، هذا ما تنطق به سنن الكون التي لا تتخلف {وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون}، هذا قول الله، ومن أصدق من الله قيلاً.
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم