عمون- رغم مصيبة صاحب أسطوانات الغاز التي تم السطو عليها أول من أمس، في منطقة جبل الزهور بعمان، إلا أن الخبر يبدو طريفا للوهلة الأولى؛ وكأن الفاعل أراد إرسال رسالة احتجاج ذات شقين، على طريقته (المرفوضة أصلا): الأول، امتعاض من نسبة الرفع العالية لسعر أسطوانة الغاز؛ والثاني، هو أن هذه الأسطوانة قد أصبحت هدفا للصوص.
الحلاق الذي كان يمسك بالمقص وهو يهم بقص شعري، ضحك عميقاً عندما جاء زبون آخر وأسمعه الخبر. وكان تعليق الحلاق البدهي والفوري وقتها: "والله قصة جديدة. كل واحد يوخذ باله من جرته هالأيام". وبعد أن أطرق مليا، خرج باستنتاج أن ما تمت سرقته يعادل ألفي دينار على أقل تقدير، باعتبار أن سعر أسطوانة الغاز المعبأة هو 55 دينارا؛ فضرب السعر بما يقرب من 35 أسطوانة غاز كانت موجودة في السيارة المسروقة، وخرج بالرقم الذي أسمعنا إياه.
بعيدا عما دار في صالون الحلاقة من نقاشات رافضة لأن يصل سعر أسطوانة الغاز 10 دنانير، وشكوى الحضور من أن الشتاء الحالي سيكون مختلفا عليهم، بسبب ما سيواجهونه من برد قارس لاضطرارهم لإشعال "صوبة الغاز" بشعلة واحدة بدل اثنتين حينا، أو الاكتفاء بـ"بطانية" شتوية لاتقاء "برد المربعانية" حينا آخر، فإن الواضح مما سمعت خلال نصف الساعة التي قضيتها في صالون الحلاقة هو حالة التذمر الواضحة من قبل شريحة مواطنين عاديين غير مسيسين من رفع سعر أسطوانة الغاز بمقدار ثلاثة دنانير ونصف الدينار دفعة واحدة.
في المقابل، سمعت وقرأت خلال الفترة التي أعقبت رفع سعر أسطوانة الغاز إلى 10 دنانير، أن حجم الطلب على الغاز انخفض بشكل ملحوظ، رغم أن الطقس تفوح منه رائحة البرودة حاليا. وهذا يعزوه مراقبون ومتابعون وعاملون في القطاع إلى ارتفاع الأسعار، وتقلص القدرة الشرائية للمواطن.
والخوف ليس من تدني الطلب على الغاز، وإنما من قيام البعض بالبحث عن وسائل تدفئة أخرى شرعية حينا وغير شرعية في أحيان أخرى كثيرة. ولا أذيع سرا أنني خائف على غاباتنا الجميلة في عجلون، وجرش، والسلط، والشمال بشكل عام. وخوفي أن أصطحب أطفالي العام المقبل إلى هناك، لأفاجأ بتصحر جديد يضرب غاباتنا الجميلة، بسبب التحطيب الجائر، والتعدي على الأحراش من قبل مواطنين يريدون تدفئة أطفالهم من لسعة برد في كانون. وأنا هنا لا أشرعن لأحد حق قطع الأشجار والاعتداء على الغابات بشكل عشوائي، ولكن ماذا تبقى من مداد الحبر لأقول لهم وأنصح؟
خوفي من أن يخرج علينا لاحقا مسؤولون في شركة الكهرباء في مؤتمر صحفي ليقولوا إن حجم الهدر في الكهرباء تضاعف بشكل لافت خلال الشتاء، بسبب الاعتداءات غير الشرعية على الخطوط. ويعلموننا أن خسائر الشركة تفاقمت، والحل برفع تسعيرة الكهرباء. ويمكن لاحقا ان تحذو حذوها وزارة المياه فتفعل الأمر عينه، باعتبار أن الحكومة تخسر أيضا في المياه.
وقتها، سنكون قد فقدنا غاباتنا، وأوجدنا للصوص والسارقين وقطاع الطرق هدفا جديدا، يتمثل في أسطوانات الغاز، وكبدنا شركة الكهرباء خسائر جديدة مضاعفة. آنذاك، سينطبق علينا المثل الشعبي: "كأنك يا أبو زيد ما غزيت"؛ فما سنوفره لخزينة الدولة من فروقات من تعويم المحروقات، سنخسره في أماكن أخرى.
أعلم أننا لسنا في طور قراءة الكف، وتوقع ما يمكن أن يحصل لاحقا. ولكنها توقعات يمكن أن يصيب أغلبها أو بعضها (وآمل أن لا يصيب أي منها)؛ وهي توقعات لامس حقيقتها رئيس وزرائنا الدكتور عبدالله النسور عندما كان نائبا، وكان يسمع زملاءه يشتكون من الاعتداءات المتكررة على الغابات في عجلون وجرش والشمال بشكل عام. كما عاين الرئيس بعضها الآخر في تقارير الحكومات السابقة عن نسب الهدر غير الشرعي للكهرباء.
أخيرا، وردا على كل من سيقول لي "نعيما" (طبعا لا أعرف نعيما على ماذا؛ على رفع الأسعار وسعر "جرة الغاز" الجديد، أم على حلاقة شعري!)، أقول له: الله ينعم عليك. ورغم أن دعم الحكومة لا يطالني جراء الرفع، فأقول له: "كلنا في الرفع شرق". "الغد"