لا أدري إذا كان مجلس نقابة المعلمين قد استحضر المطالبات القديمة لإنشاء النقابة حيث كان المسؤولون يرفضون إنشاء النقابة بحجة عدم دستوريتها ، فقد ألقينا الخطابات وحارونا وجادلنا وكتبنا وقدمنا الردود على قولهم " بعدم الدستورية " ، ولم نصل إلى إنشاء النقابة إلا في الفترة الأخيرة بحمد الله . لقد كان من مبررات الرفض عند الجهات الرسمية الخشية من وقوع الوطن تحت تهديد حزب سياسي يستخدم النقابة مطية لأغراضه السياسية عبر الإعلان عن الإضراب الذي يشل العملية التعليمية برمتها وفي هذا تهديد للوضع عام في البلاد لأن كل الشعب معني بتعليم أبنائه ولا يريدهم في قارعة الطريق بتاتاً . وكنا من طرفنا نحن الذين نطالب بالنقابة نقسم أغلظ الأيمان بأن هذا لن يقع لأننا ما قصدنا من وجود النقابة إلا خدمة الوطن وأبنائه ، فهذه الوظيفة المحترمة هي عمل الأنبياء الذين ما جاءوا إلا مصلحين ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) ، وإذا أردنا النهضة للأمة فلا بد من إعادة التقدير والاحترام للمعلم مادياً ومعنوياً ، وقلنا إن اليابان بعد تدميرها بالحرب لم تلجأ إلى الصراخ بل راحت إلى المدارس تبني وتعلم وصارت اليوم بعد الدمار من أقوى ثماني دول في العالم . لم يكن ببالنا الإضراب فلا رضيناه ولا نرضاه لأن نقابة المعلمين ليست كبقية النقابات الفئوية المهنية ، هذه نقابة أقدس وظيفة ورجالها بعيدون عن الانتهازية يعلمون العدل ويطالبون به ولا يعلمون القنص والانتهاز للفرص والتحول إلى حزب سياسي أو أداة بيد حزب سياسي . المعلمون أكبر من كل الأحزاب عدداً و قيمة ومكانة ، المعلمون يتبعهم الناس ولا يتبعون الناس ، المعلمون قادة لا مقودون ، فيهم قيل الشعر ومدحهم أمير الشعراء ولم يمدح غيرهم كما مدحوا ، بل هم في كفاية من المدح إذ قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت معلماً ) . كنت لما صدر قانون نقابة المعلمين متمنياً أن ينص على عدم جواز الإضراب عن التعليم بحال من الأحوال ، ويسمح لهم بالتعبير عن مطالبهم بالأساليب الأخرى المتاحة خارج نطاق الدوام من اعتصام ومهرجان وغير ذلك ، وتستطيع النقابة مقابلة المسؤولين واستخدام الإعلام والإصرار على كل مطلب حق وستجد كل الناس معها لأننا نؤمن يقيناً بأن المعلم يجب أن يكرم وينزه عن التسول كي يخلص لأولادنا في المهمة التي حملها نيابة عنا.
إنني أدعو نقابة المعلمين أن تبادر من نفسها للنص على عدم جواز الإضراب وطلب ذلك من الحكومة والنواب كي تبقى مدارسنا بعيدة عن امتطاء السياسيين فالتعليم أنظف وأطهر من تحوله إلى أداة ، وليذهب السياسيون إلى تنشيط العضوية وتقديم البرامج وإقناع أفرادها قبل إقناع الآباء بأن إضراب المدارس مصلحة وطنية والوطنية منها براء.
العرب اليوم.