ما يحدث اليوم على ساحتنا الحبيبة، يذكرني بواقع كنت قد عشته منذ زمن بعيد، تذكرت تلك الايات الجميلة التي حملتها معي في حلي وترحالي، تذكرت تلك اللحظات التي كنت ابحث منها عن نافذة تجعلني اطل على شرفات المستقبل، تذكرت كم من حاقد وحاسد وواشي يتربص بهذا الوطن العظيم، تذكرت كم من رؤية حملتها في منامي تجعلني اصرخ باعلى صوتي، ارحموا الاردن، ارحموا الوطن، ولا تضربوه بمقتل لتصبحوا بعدئذٍ على ما فعلتم نادمين.

يتولد بداخلي احساس بالرغبة للدفاع عن وطني في هكذا ضروف ، لكني لا أستطيع ، لاني لا اجد خصم او ند او معتدٍ أستطيع أن اظهر له العداء والخصومه ، فكل ما يحدث من صنع ايدي ابناؤك يا وطني فذلك الذي فسد وسرق ونهب ثرواتك هو أبن لك يا وطني، وهذا الذي أعترض وعبر عن غضبه بطريقة غير لائقة فتسبب بجرح غائر يحتاج الي الكثير من الوقت لتجاوزه ، هو ايضا ابن لك، ولا استطيع ان أزاود على اي منهما، لهذا رأيت ان اقتبس هذة الحادثة التي حدثني اياها اردني مغترب لعلها تعبر عما يجيش بخاطري .

يقول المغترب : كنت عائداً بسيارتي من أمريكا إلى كندا حيث إقامتي ، وعلى الحدود أعطيت جواز سفري الكندي إلى الموظفة ففتحته وقرأت مكان الولادة الاردن.
فقالت: كيف الاردن؟
قلت : بخير، ونرجو الله أن تبقى بخير
قالت : منذ متى وأنت تعيش هنا؟
قلت : أنهيت لتوي السنة العاشرة
قالت : متى زرت الاردن آخر مرة؟
قلت : منذ ثلاثة أعوام
نظرت إلي وهي تبتسم وسألتني: هل تحب الاردن ام كندا؟
قلت : الفرق عندي بين الاردن وكندا كالفرق بين الأم والزوجة، فالزوجة أختارها انا وأرغب بجمالها .. بحبها .. بعشقها .. ولكنها لا يمكن أن تنسيني أمي، والأم لا أختارها ولكني أجد نفسي ملكها لا أرتاح الا في أحضانها، ولا أبكي إلا على صدرها، وأرجو الله ألا أموت إلا على ترابٍ تطأه بقدميها .

أغلقت جواز السفر ونظرت إلي باستغراب وقالت: نسمعُ عن ضيق العيش فيها فلماذا تحبها الى هذه الدرجة؟
قلت: اتقصدين أمي؟
فابتسمت وقالت: لتكن أمك
فقلت: قد لا تملك أمي ثمن الدواء ولا أجرة الطبيب ، لكن حنان أحضانها وهي تضمني ولهفة قلبها حين أكون بين يديها تشفيني.
قالت: صف لي الأردن
قلت : هي ليست بالشقراء الجميلة ، لكنك ترتاحين اذا رأيت وجهها، ليست بصاحبة العيون الزرقاء، لكنك تشعرين بالطمأنينة اذا نظرت اليها، ثيابها بسيطة، لكنها تحمل في ثناياها الطيبة والرحمة، لا تتزين بالذهب والفضة، لكن في عنقها عقداً من سنابل القمح تطعم به كل جائع، سرق اللصوص حيلتها ولكنها ما زالت تبتسم.
أعادت لي جواز السفر وقالت: أرى الأردن على شاشة التلفزيون ولكني لا أرى ما وصفته لي
قلت لها : لقد رأيتي الاردن على الخريطة، أما أنا فأتحدث عن الاردن التي تقع في قلبي .

قالت : أرجو أن يكون وفاؤك لكندا مثل وفائك للاردن، أقصد وفاؤك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك قلت : بيني وبين كندا وفاءٌ وعهد ، ولست بالذي لا يحفظ عهده ، وحبذا لو علمتِ أن هذا الوفاء هو ما علمتني إياه أمي.

حمى الله الاردن