على مدار تاريخه، تعرض الأردن لهزات سياسية عنيفة، ومنعطفات حادة، تنوعت أسبابها وظروفها. وكان ذلك يحدث كل عشر سنوات تقريبا؛ النكبة، والنكسة وأحداث السبعين، وحربا الخليج الأولى والثانية، وانهيار الدينار العام 1989 والأحداث التي تلت ذلك، وغيرها من المحطات الصعبة.
وقد ترتب على كل مفصل منها خسائر سياسية ومادية كبيرة. فبعد حرب الخليج الأولى، واجه الأردن حصارا اقتصاديا غير مسبوق، ولم نجد غير العراق يخفف عنا. لكن في "الخليج الثانية" لم يكن العراق موجودا، فكانت السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة.
كان هذا يحصل عندما تكون الأزمة إقليمية. أما في الأزمات الداخلية، فالعلاج بالضرورة داخلي، ومن طراز سياسي أيضا.
بعد أحداث نيسان (أبريل) 1989، وَلَجنا طريق التحول الديمقراطي، بالتوازي مع برنامج التصحيح الاقتصادي، وعبرنا الأزمة بالميثاق الوطني، وإلغاء الأحكام العرفية وإطلاق الحريات العامة. ولعلها مفارقة بالفعل أننا، وبعد 23 عاما على التحول الديمقراطي، لا نجد غير حالة الطوارىْ مخرجا لصون المكسب الديمقراطي وتصويب مساره!
الأحداث التي عصفت بالبلاد خلال الأيام الماضية هي أخطر ما واجهنا في السنوات العشر الأخيرة، وتفوق في خطورتها أحداث 1989، خاصة أنها جاءت في مناخ التحولات الكبيرة في العالم العربي، وفي مرحلة اضطراب سياسي وأمني لم تشهدها المنطقة في تاريخها. وسط الأجواء العاصفة هذه، كان الأردن دون غيره المؤهل لإنجاز التحولات الديمقراطية المطلوبة بطريقة سلمية وتوافقية. ثم تأتي، وعلى نحو مفاجئ، موجة عاتية تهز أركان المجتمع، وتعرض سلمه واستقراره لخطر جدي.
كانت ردة الفعل على قرار رفع الأسعار متوقعة ومفهومة، لكن ليس إلى الحد الذي يجعلنا على شفير الفوضى.
لم نتفق بعد على تفسير لما حصل، ولم نتوصل إلى تحديد قاطع لهوية الأزمة؛ اقتصادية بحتة، أم أن لها جذورا سياسية؟ وهل العلاج بإجراءات اقتصادية، أم بمراجعة للمسار السياسي؟ وهل تكفي المعالجة الأمنية للأحداث للقول إننا بخير؟
الأحداث الأخيرة تطرح سيلا من الأسئلة على الدولة والأحزاب والحركات والنخب السياسية والاجتماعية في البلاد، الإجابة عنها غير ممكنة في أجواء التراشق السياسي والإعلامي الذي نشهده.
استخلاص الدروس والعبر مما حصل يحتاج إلى مبادرة وطنية ترعاها الدولة، للوقوف على الحقائق وفحصها بدقة وتعريف الأزمة، وإجراء مراجعة نقدية للمفاهيم السائدة حول علاقة الدولة بالمجتمع، والتفاهم على الموقف من الانتخابات النيابية المقبلة وسبل إنقاذها من الفشل.. وعناوين أخرى كثيرة تستدعي النقاش.
بخلاف ذلك، فإن السجال سيظل يدور في حلقة مفرغة، والأزمة تراوح مكانها بانتظار فتيل يشعلها من جديد.
تقول حكمة قديمة دارجة: الضربة التي لا تكسر الظهر تقويه. وهانحن نتلقى ضربة الأسعار ولم ينكسر ظهرنا. لكن علينا أن ننهض بسرعة، وننفض غبار الأزمة عن أجسادنا، ونشرع في مراجعة ما حصل، ونبحث عن الثغرات والمناطق الرخوة في بنيتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ونحاسب أنفسنا؛ مؤسسات وحكومات وأحزابا وأفرادا، لنعود أقوى مما كنا، ويعود الأردن كما عهدنا عصيا على الأزمات.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد