في عز الأزمة السورية، تخلى خالد مشعل ومكتبه السياسي عن دمشق؛ كانت تلك ضربة لمحور الممانعة السوري ـ اللبناني الإيراني ( ومن ورائه موسكو)، ضربة تكمن أهميتها في المصير الجيوسياسي لغزة: هل تنتهي إلى أحضان الحلف الإخواني المصري القَطري التركي ( ومن ورائه واشنطن) ؟
بدا، لفترة طويلة، أن مصير القطاع المقاوم قد تم حسمه، لصالح تحويله إلى "دبي فلسطينية" منفصلة عن الضفة الغربية، ومرتبطة بالقاهرة الإخوانية، في سياق تأهيلها كقنطرة للتحالف مع إسرائيل ضد "العدوّ" المشترك: ايران
في التحضير الميداني لهذا المصير، شنت الحكومة الإخوانية في مصر، حملة لضرب خطوط إمداد السلاح إلى غزة، عبر سيناء ، بحجة المجابهة مع الإرهابيين، وسُمح للجيش المصري بعبور قناة السويس، لضبط الأمن على حدود إسرائيل، والسيطرة على الأنفاق وتدميرها. بالموازاة، كان مشعل يهاجم سورية علنا، ويهتف لرجب أردوغان، قائدا للأمة وخليفة للمسلمين، بينما يقبع بالقرب من مطبخ المشروع في الدوحة ! .
وطوال الوقت، كان يدور صراع في غزة بين دعاة المقاومة ودعاة " المشروع" الذي عرف ذروته، قبل أقل من شهر، في زيارة أمير قَطر للقطاع. في الزيارة ـ التي ضغطها صاحبها من أيام إلى ساعات ـ كان واضحا أن شروط الدوحة يصعب تمريرها في ظل ميزان القوى، داخل حماس، بين حلفاء الممانعة وحلفاء قطر، وداخل غزة، بين قوى المقاومة وبين حكومة حماس.
وعلى الإثر، انتقل الصراع الداخلي إلى تصعيد خارجي مع إسرائيل، وبالاتجاهين؛ تل أبيب تريد استكمال " المشروع" بتنفيذ سلسلة اغتيالات بحق قادة الجناح العسكري المقاوم في حماس، في حين اندفع هؤلاء إلى تكوين جبهة مقاومة ميدانية مع " حركة الجهاد الإسلامي" ـ حليفة طهران ـ ومنظمات المقاومة الأخرى العلمانية والمقرّبة من دمشق. وبدأت الحرب.. وكانت المفاجأة!
غزة تردّ بقوة وكفاءة وجرأة، وتضرب مئات الأهداف الإسرائيلية بالصواريخ، بما فيها تل أبيب والإف 16، وتعلن، وسط الدمار والوجع، شروطها للهدنة: إنهاء العدوان وفك الحصار ووقف الاغتيالات، أي، عمليا، الاعتراف بالمقاومة وحريتها في الحركة والبناء والاتصال الخارجي.
كل ما تملكه المقاومة الفلسطينية في غزة من امكانات صاروخية وتسليحية وتقنية ومعلوماتية، جاء، ويجيء الآن، من الإيرانيين والسوريين وحزب الله، وليس من مصر الإخوانية ولا من قَطر ولا من تركيا الأردوغانية، أي أن مقومات الصمود والتصدي في غزة هي، في النهاية، سياسية وليست مذهبية؛ فماذا لدى محمد مرسي سوى المعادلات نفسها التي حكمت سلفه، حسني مبارك، وقيدته بإجراءات مثل سحب السفير والزيارات التضامنية ( المأذون بها) والمساعدات الانسانية ومساعي التوسط ، لدى واشنطن وتل أبيب، للتهدئة والعودة إلى هدنة بالشروط الإسرائيلية، لكن من دون التجرؤ على فتح معبر رفح بصورة كاملة، أو وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، الموجه، تحديدا، ضد تزوّد غزة بالسلاح؟
وماذا، لدى أردوغان، سوى التصريحات الفارغة والاستنجاد بموسكو لتفعيل الوساطة؟ وماذا، لدى الخليج ،سوى الدعوة السعودية إلى " التعقل والحكمة"، وسوى المال المقرون بشرط الاستسلام ،ذلك أننا، نحن العرب، حسب حمد بن جاسم، قطيع من "الحملان" !
أليس عجيبا، إذاً، ذلك الإصرار المصري التركي الخليجي، بالمقابل، على مواصلة الحرب في سورية حتى آخر قطرة دم؟ ألا تنفع الحكمة والهدنة والمفاوضات، هنا أيضا؟
حتى الآن، وبمقدار ما تصمد المقاومة في غزة، يكسب محور الممانعة، جولة استراتيجية، وتنفتح الطريق أمام دمشق للخلاص من أزمتها بإرسال الجيش إلى الجولان.
ynoon1@yahoo.com
العرب اليوم