بعد غياب استمر لنحو 48 ساعة، ظهر رئيس الوزراء عبدالله النسور من جديد في وسائل الإعلام، يتصدى بصدره لصليات الانتقاد لرموز الدولة وأجهزتها في الشارع. في أول يومين لقرار رفع الأسعار، ترك النسور "الميكرفون" للقادة الأمنيين.
لكن مع تصاعد الاحتجاجات وحدة الانتقادات لمستويات عليا في الدولة، عاد من جديد، لا ليدافع عن القرار، بل ليؤكد المسؤولية الحصرية لحكومته عن القرار وتبعاته.حاول النسور جاهدا في تصريحاته الصحفية تجنيب القيادة السياسية المسؤولية.
وفي مقابلته الأخيرة مع فضائية "رؤيا"، قال رئيس الوزراء إن الملك لم يلمح له بمراجعة الأسعار، أو يطلب منه اتخاذ القرار. وقبل ساعات قليلة على هذا التصريح، أكد النسور لمراسلي الإعلام الأجنبي أنه خالف توصية للمخابرات العامة بعدم رفع الأسعار. ونُقل عنه قوله: "أنا مسؤول عن القرار. هم أصدروا توصية، وليس لديهم قرار، وأي قرار خطأ أتحمله أنا".
سواء كنا معارضين لقرار رفع الأسعار أو مؤيدين له، فإن موقف رئيس الوزراء في "تبني" المسؤولية عنه يتسم بالشجاعة. فالرجل لم يختبئ خلف الملك ولا المخابرات، وعندما بدأ يلمس حجم المعارضة الشعبية للقرار وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج سياسية خطيرة على النظام، خرج للرأي العام ليجدد التأكيد على مسؤوليته ويخلي ساحة الأطراف الأخرى.
قد لا تكون شجاعة الرئيس هذه كافية لإقناع المواطنين برفع الدعم والاستعاضة عنه بتعويض نقدي، لا بل إن شعورهم بعدم وجود غطاء ملكي أو أمني للقرار يغريهم بمواصلة الضغط لإجبار الحكومة على التراجع عن القرار.ساهم هذا السلوك من طرف النسور في ترشيد خطاب الشارع الذي بدأ يتجاوز حالة الانفعال التي كان عليها في اليومين الأول والثاني لقرار رفع الأسعار؛ إذ استعاد الحراك سقف خطابه المعتاد، ونبذ الأصوات الراديكالية من أوساطه، ووقف إلى جانب الدولة في محاربة ظواهر الزعرنة والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. وتناقلت مواقع إعلامية صورا مؤثرة لشباب الحراك في عمان وهم يتصدون بحزم لمحاولات "الملثمين" مهاجمة البنوك. وقد نجحوا بالفعل في منع وقوع أي اعتداء على منشآت عامة في العاصمة.في الأثناء، كانت كبرى الحركات الحزبية في البلاد تعيد التأكيد على أن مطلبها كان وما يزال إصلاح النظام. ورددت فاعليات نقابية وشعبية نفس الموقف تقريبا.
وفي جميع البيانات التي أصدرتها الحراكات الشبابية والأحزاب السياسية، لم يبرز سوى مطلبين أساسيين: التراجع عن قرار رفع الأسعار، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. ولم يرد هناك، من قريب أو بعيد، أي ذكر لمطلب تغيير النظام.الأردنيون في هذه الأزمة، ورغم حالات الانفعال التي صاحبت احتجاجاتهم، كانوا أكثر وعيا من الحكومة بالمصلحة الوطنية. وعندما شعروا أن هناك من يريد توظيف حراكهم السلمي لنشر الفوضى والخراب في البلاد، وقفوا دفاعا عن خطوطهم الحمراء؛ الدولة والملك، وأعادوا صياغة مقاربتهم السياسية على نحو يستجيب لمتطلبات المصالح العليا للوطن، وأمنه واستقراره.الأردنيون غاضبون من الحكومة والفساد والغلاء والفقر، لكنْ لغضبهم حدود لن يسمحوا بتجاوزها او استغلالها.
fahed.khitan@alghad.jo