دع عنك جميع الآراء من الرضا و عدمه عن قرار الحكومة الأخير , و دع للمختصين قياسها و نقدها و تقويمها و تأمل معي عن ماذا كشف قرار الحكومة الأخير , و لنتأمل الأردن في ليلة القرار !
أولاً : فصيل حزبي معارض يحلف أغلظ الأيمان أنه لا يرفع شعاراً ضد نظام الدولة و رمزيتها , ويخرج للشارع ليلة القرار بكافة قواه منادياً و وشاحناً باتجاه شعار متطرف يدفع بالتأزيم .
ثانياً : حرق و تكسير و الاعتداء على مواطنين , و حرق مؤسسات استهلاكية , أي مستودعات الغذاء , و من ثم الاعتداء على البنوك , و التجاوز للاعتداء على البلديات و المحافظات .
ثالثاً : عمليات سلب لزوار الأردن , و نهب لسياراتهم و أموالهم .
رابعاً : إعلام يتسابق لرصد كافة الانفعالات و انتشرت كلمة " تحديث " .
انظر للمشهد من زاويتين , زاوية أولى أن بعض من جموع شعبية غاضبة , و منفعلة و غير راضية عن القرار و عبرت عن غضبها بهذه الطريقة لأنها تشعر أن صوتها لا يصل إلا بهذه الوسائل .
و زاوية أخرى , جموع شعبية استلهمت من الربيع العربي الأدوات اللازمة , فكان الإعلام الذي ينقل الحدث من الخارج للداخل يعمل بالإيحاء لطرق المعارضة .
من كلا الزاويتين , أين نحن من ثقافة المواطنة , و التربية الوطنية , و التربية التي تحمل المجتمع على الإحساس بالمسؤولية ؟ هل أثبت القرار فشلنا تربوياً و ثقافياً و مسلكياً , و هل كانت جميع ظواهر الوطنية التي نراها هي حالات مصطنعة تنتهي مع أول قرع للجرس .
هل لا زلنا نراوح مكاننا في بناء العقل الوطني البعيد عن الانفعالات , و الذي يقيس و يسير بخطوات مسؤولة و يعارض بطريقة كلنا للوطن و لا نختلف عليه .
أطنان مكدسة من الكتب و المناهج التعليمية , حوت خلاصة تجاربنا التاريخية , و أطنان أخرى من الأغاني الوطنية , و أطنان تماثلها من الشمغ و الأعلام حملناها على مدار تسعين عاماً , و في لحظة ما تكشف أنه بين ظهرانينا من لا زال لا يفهم الوطن ! و من لا زال يستورد أدوات عمله السياسي و يراوغ معلناً لنا ببياناته شيئاً و ضامراً لنا في الشارع شيئاً اخر !
كم كانت تركة ثقيلة التي هبطت على أكتافنا على مدار الثلاثة أيام التي أعقبت القرار , كم كشفت لنا عن فراغات كنا نظن أننا تجاوزناها مع تأسيس الجامعة الأردنية , و ما تلاه من نهضة تعليمية .
ليس لدي حلول في هذا المقام , لكن فلنضع في مخيالنا من الآن فصاعداً شيئاً مهماً , هو أننا بحاجة لإعادة تثقيف و إعادة خلق وعي , بعد ما حل بنا و كشفنا عن مظاهر و ظواهر كنا نظنها بعيدة عن مجتمعنا و نسيجه .
فلننتبه إلى منظومتنا التعليمية الوطنية , و مدى كفاءتها في وقايتنا من المخاطر , فهي الأهم , و لنضيء مساحات كشفتها ليلة القرار و عبرت عنها جردة حساب للخسائر في مؤسساتنا الوطنية الخاصة منها و العامة , و لنقف أمام تاريخ أجدادنا , خصوصاً في مرحلة الإمارة , و سنعلم حينها أن الكفة تميل لصالحهم في رقي أساليب العمل السياسي .