الخيار متروك لنا
د.وليد عبد الهادي العويمر
18-11-2012 11:58 AM
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام" ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ".
ويقول احد الحكماء، الصدمة قد تفعل بك شيئان: إما أن تدمرك، وإما أن تصنع منك شخصاً أقوى تصعب هزيمته، والاختيار متروك لك..
لا بد لنا نحن الأردنيون على اختلاف أصولنا ومنابتنا واتجاهاتنا السياسية أن نستلهم من هاذين القولين ما ينفعنا ويحقق مصالحنا خصوصا في هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها. كذلك لا بد لنا أن نقر ونعترف بان هناك أزمة حقيقية نعيشها كمواطنين وكحكومة، وهي المعضلة الاقتصادية بحيث تردت الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق، مما ينذر بكارثة اقتصادية لا يمكن لنا أن نتحمل تبعاتها في حال استمرارها.
كذلك لا بد لنا أن نعترف أن الحكومة الحالية برئاسة الدكتور عبد الله النسور لا تتحمل مسؤولية هذا التردي الاقتصادي، حيث انه لم يمضي على تكليفها سوى شهر تقريبا، فجذور المشكلة الاقتصادية التي نعاني منها ألان إنما هي سلسلة من القرارات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجتها الحكومات الأردنية المتعاقبة منذ فترة زمنية طويلة، بحيث تراكمت المشكلة الاقتصادية وتدحرجت وكبرت ككرة الثلج إلى الحد الذي لم تستطع معه الحكومة الحالية (والتي جاءت خصيصا كفترة انتقالية لتسير عملية الانتخابات النيابية)، أن تغض الطرف عنها بل إنها أصبحت الشغل الشاغل لها مما دفعها في نهاية المطاف بعد أن أدركت مأساوية الوضع الاقتصادي للدولة الأردنية وما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فقررت الحكومة كإجراء جراحي مؤلم رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ونتيجة لذلك خرجت جموع المتظاهرين الرافضين لهذه القرارات.
وقد شكل ذلك كله صدمة حقيقية لكل من الشارع الأردني والحكومة، وكانت الصدمة من ناحيتين الأولى حجم الأرقام التي صرح بها رئيس الوزراء بما يخص المديونية والعجز في الموازنة العامة للدولة الأردنية، والثانية ردة الفعل الغير متوقعه من قبل المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع والميادين العامة فانحازت فئة منهم إلى العنف من ضرب وتكسير ونهب وحرق للممتلكات العامة والخاصة.
وأمام هذه الصدمة أمامنا خياران إما أن ندمر أنفسنا وبلدنا اقتصاديا وسياسيا وامنيا ونقضي على كل المنجزات التي تحققت طوال العقود الماضية في لحظة غضب، فنخرج صفر اليدين فلا حققنا ما نصبوا إليه من رفعه وعزة وتطور وبناء ولا حافظنا على ما هو موجود بل دمرنا كل شيء بحيث لم يعد صالحا للاستخدام. وهذا التصرف ليس من الحكمة والعقل في شيء وليس فيه أدنى درجات الشجاعة والشدة، بل هو تصرف متسرع أقصى ما فيه حرق إطارات وسلب ممتلكات فأي نوع من الشجاعة والشدة في هذه التصرفات.
وفي مقابل هذه الصورة القاتمة والمظلمة أمامنا حل آخر لمواجهة هذه الصدمة وهو الحلم والعقل والإنارة وضبط النفس والتحكم في غريزة الغضب، بحيث تتحول حشود وتجمعات المتظاهرين إلى صور حضارية تعبر عن مطالبها بأساليب وبأدوات سلمية سواء كتابية أو شفهية بعيدة عن العنف والتهديد والتخوين والتشكيك والشتائم. وقد نجح هذا الأسلوب الحضاري والذي مارسته العديد من التيارات والحركات والأحزاب السياسية المطالبة بالإصلاح السياسي خلال الفترة السابقة في تحقيق إصلاحات سياسية عديدة تتعلق بالتعديلات الدستورية والمحكمة الدستورية وبقانون الانتخابات النيابية إلى حد ما.
وأمام ذلك كله فالخيار متروك لنا ، ولكن قبل أن نختار علينا أن نستذكر ونسترجع ونقيم تجارب عدد من الدول العربية التي ساد فيها منطق الغضب على العقل والتسرع على الحلم، ومن ثم نقرر أي الحلول نختار.
* رئيس قسم الإعلام والدراسات الإستراتيجية
جامعة الحسين بن طلال
walidwo@hotmail.com