نجح الاردن بشعبه وتماسك مكوناته الوطنية والامنية في اجتياز مفصل حرج , راهن كثيرون على حرجه وصعوبته , فالاوضاع المعيشية للمواطنين صعبة وظروف موازنة الدولة اكثر صعوبة , واثبت الاردنيون انهم يقدّمون العام على الخاص , ويؤمنون بالحق في التعبير مع الحفاظ على المخزون الوطني الحضاري من الخدش او التخريب او التدمير على سوء ما حدث في اليومين السابقين .
سرعة الغضب الشعبي ومحاولة الاوساط الامنية والرسمية استيعاب حالة الغضب وتخفيف اضراره , مرحلة ضرورية بتزامنها مع خطوة العلاج السريع لتداعيات قرار تحرير الاسعار , فالحركة الواعية من الدولة مطلوبة الان , ان كانت بزيارات الى دول الخليج العربي او الى الشقيقة مصر , فنحن بحاجة الى دعم عاجل من الخليج لحفظ امن الخليج اولا , فنحن جزء منه وخاصرته الحاجزة لمرور الكثير من الخطر الاجتماعي والارهابي الى حدوده , وعلى الشقيقة مصر ان تضخ الغاز وفقا للاتفاقية الاردنية المصرية لان الغاز وانقطاعه سبب التراجع السريع للحالة الاقتصادية الرسمية والاردن اولى من اي دولة اخرى بالغاز المصري .
على الجانب الغربي والاوروبي , مطلوب حركة سريعة وواضحة مفادها ان الامن الاقليمي يحتاج الى امن الاردن اولا , نحن دولة صغيرة ولكن وزنها الجيوسياسي يصل حد اشعال الاقليم برمته وضرب السلم الاقليمي بالكامل , ويجب ان يفهم الغرب ان ترك الاردن وحيدا وتضخيم الاشتراطات على قرضه ليس من مصلحة السلم الاقليمي برمته .
داخليا , نحن بحاجة الى اعادة الحوار الافقي مع كل التكوينات السياسية والاجتماعية , لتعميق سلوك الترشيد الانفاقي اولا , وتعميق الفهم بضرورة الاعتماد على الذات , وهذا يتطلب ان تبدا الحكومة بخطوة اولى عنوانها استرداد المال المنهوب , بصرامة ودون مواربة , فنحن كمواطنين او مراقبين لا نملك الدليل القضائي او الدليل القانوني , وليس دورنا , في حين نملك الاف الدلائل الاخلاقية على الفساد والنهب المبرمج للمال العام , ومظاهر الثراء الفاحش خلال وقت قصير من الخدمة العامة , ونرى يوميا الاف اللترات من المشتقات النفطية المهدورة على الارض لايصال طفل او زوجة او شخصية الى منزلها او عرس او جاهة , وما زلنا نرى يوميا تعيينات للمحاسيب والاقارب والتنفيعات لذوى القربى السياسيين .
الشعب الاردني اثبت يوم الجمعة وما قبله من جُمع كثيرة انه حريص على وطنه وامنه , وان التعابير الغاضبة او المسيئة حاصل تراكم فساد وإفساد ونهب مبرمج للمتلكات باطن الارض وخارجها , وشعر المواطن بسوء تقدير ان الممتلكات ما عادت له ولا تخدمه , ومن هنا نفذ المخربون الى الشوارع والممتلكات العامة والخاصة سواء بأوامر داخلية او بتمويل خارجي , ورغم ذلك هبّ الاردنيون لحماية المال العام والخاص وأدانوا كل التعابير السلبية .
الخطوة الاولى مطلوبة من الحكومة واجهزة الدولة الرسمية , كي تبدأ في توفير الطاقة والمال , ويريد المواطن أن يرى مقدار الوفر من الدولة قبل أن يبدأ بتفهم الظرف الصعب , فلا يعقل ان تجوب سيارات الدفع الرباعي الرسمية شوارع الاردن ونطالبه بتحمل الفروقات التسعيرية.
ثمة هدر في الانفاق , أوضح ان الدولة ليست نفطية فقط بل نووية , وسمعنا ونسمع عن رواتب ومكافأت تفوق الخيال العلمي والرقمي , فكيف نستوعب ان راتب محاسب في امانة عمان يتجاوز الخمسة الاف دينار ؟
نعرف ان كل ما سبق لا تتحمله حكومة الدكتور النسور وحدها , بل هو تراكم لقرارات اقتصادية وسياسية , وأما وقد قررت الحكومة وضع نقطة والبداية من سطر جديد , فعليها ان تفتح كل الصفحات السابقة وتراجع المدون داخلها من خلل يصل حد الكفر الوطني , وتبدأ بالحساب وبالمراجعات ومعظمها بحاجة الى قرارات وزارية وتعديل التعليمات التنفيذية , التي باتت المرادف للالتفاف على القانون .
لا نريد دعما لكل الطبقات ولا نريد ان تتحمل الدولة كلفة , بالوكالة عن الاغنياء والسواح والوافدين ولكننا نريد محاسبة جريئة وواضحة لكل الانفلاتات السابقة , ومراجعة لكل التسعيرات الظالمة ورسوم التعدين الجائرة , والاهم وقف الهدر والبذخ من المال العام , فجميعنا شركاء في الوطن وعلى الشركاء تحمّل الربح والخسارة .
نعرف ان تحرير الاسعار ودعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة واجب الدولة والجميع , ونعرف ان بداية المسيرة صعبة لكنها ستحقق الحياة الكريمة للجميع بعد اقل من سنتين على الاكثر , ونحن جاهزون لدفع الكلفة مقابل الاستثمار الحقيقي في الوطن على اسس من النزاهة والمحاسبة ووقف النزف والهدر , لا نطلب من الشارع الصمت بل التعبير الحضاري والمراقبة الدائمة لسلوك الحكومة ومحاسبتها او التجديد لها .
الاردن في عين العاصفة نعم , وعلى الجميع ان يتحمل الغرم وليس المواطن وحده , وآن لنا ان نغادر الازمة والعاصفة الى غير رجعة , فلدينا من الثروات الكثير ولدينا من الوعي الوطني ما يؤهلنا لتجاوز اللحظة وبناء المستقبل بنزاهة وعدالة .
omarkallab@yahoo.com
الدستور