للمواقف أثمان لا يقدر عليها إلا الرجال
طلال الخطاطبة
17-11-2012 10:30 PM
يمر الأردن كباقي دول العالم بأزمة مالية خانقة اقتضت بعض الإجراءات الحازمة لمواجهتها. و قد احتج الشعب عموما على هذه القوانين، و طالب الكثيرون بشد أحزمة الحكومة كذلك و ليس فقط جيب المواطن كما اشرت في مقال سابق. لكن بقيت اسئلة يطرحها المواطنون عن سبب هذا الوضع. و قد صدرت بعض التلميحات التي تحولت الى تصريحات بخصوص عدم الوفاء بالالتزامات للإخوة الأشقاء تجاه ما قطعوه هم على أنفسهم باجتماعاتهم.
و رغم أنني ممن يؤمنون بمقولة "من حكم بماله ما ظلم" إلا أنني لا يعجبني الإخلاف بالوعد، و الأسواء منه أن نكتشف أن هذه الأكياس من الجزر إنما كان يُلوح بها للضغط على الأردن للحصول على مواقف سياسية لا تتناسب مع دور الأردن العربي تجاه أشقائه. و هنا اشعر بالفخر أنني أردني و الحمد لله، فعلى الرغم مما نعاني منه من أزمات،إلا أننا ما زلنا نملك القرار لنقول " كثر الله خيركم و آسفين لعدم تلبية طلبكم".
و في الحقيقة و أنا اشارف على الستين من عمري لا اتذكر عقداً من الزمن لم نكن فيه بأزمات سببها مواقفنا العربية تجاه أشقائنا أو ربما كان الأشقاء العرب هم سبب الأزمة عندنا لتدخلهم في شؤوننا الداخلية. و الأمثلة على ذلك كثيرة و منذ بداية عهد جلالة الملك المرحوم بإذن الله الحسين بن طلال طيب الله ثراه، و يمكن الرجوع الى كتاب جلالته (مهنتي كملك) للوقوف على التفاصيل. بعد سنتين أو أكثر من تعريب الجيش كانت المحاولة لقلب نظام الحكم و لم تتركنا الأنظمة الثورية بحالنا حتى أوصلتنا الى كارثة هزيمة 1967 وهي أكبر أزمة في تاريخ الأردن إذ فقد نصف مملكته نتيجة ضغط الشارع و عدم قول " لا" بوقتها الصحيح.
و في 1970 تم أيضا العبث بأمننا الداخلي لما رأوه من تفوقنا و عجزهم، عندما صد الأردن العدو بمعركة لم يشهد العالم العربي مثلها بتلاحم الدمين الأردني و الفلسطيني بمعركة الكرامة الخالدة التي ما أنصفناها و لا أنصفها التاريخ، فكانت أحداث 1970 ليشقوا صفنا و يهددونا بأقواتنا كذلك، ثم تجاوزنا ذلك و الحمد لله بحكمة القيادة رحمه الله ربانها.
و في الشأن العراقي كان الأردن بأتون الحرب في أول الأمر مع ايران و ثم حملنا وزرها بالغزو العراقي للكويت ونالنا من جراء ذلك ما نالنا اقتصادياً و سياسياً. و نذكر كيف كانت انعكاساتها على الوضع الداخلي الأردني.
و ها هو الحال في الربيع العربي، و رأينا أنفسنا نحمل تبعاته إما تعاونا مع الدول للمناطق البعيدة أو ديمغرافياً بالنسبة القريبة بنازحيها و كل ما يتعلق بها. و هذه الأيام نكتشف أن المطلوب كان اكثر من ذلك. و هنا لا بد من القول لكل من طلب هذا الطلب أن الأرض الأردنية تفتح ذراعيها لكل خائف فتؤويه، و تقاسمه لقمة العيش ضمن استطاعتها طبعاً، و لكن اذا طلب الضيف أكثر من ذلك هنا نرجعه لمقولة " قتله من أخرجه" و ليتحمل وزره من أخرجه.
لا يمكن للأرض الأردنية أن تستخدم لتنطلق منها قوات للدخول الى أرض دولة عربية أخرى. القوات ستذهب و سنبقى نحن و جيراننا العرب فكيف نواجههم اذا التقت الأعين، و بماذا سنفسر لهم هذا الأمر؟ كان الأردنيون جميعا باستثناء بعض الأحزاب ترفض هذا الطلب و هو استخدام الأرض الأردنية.
لهذا فليس غريبا على الأردن أن تمر بأزمة؛ هذه ليست الأولى و لن تكون الأخيرة، و ما دمنا أرض الحشد و الرباط فهذا قدرنا و لا مفر من قدر الله.
أما نحن في الأردن فالحمد لله اننا ما زلنا بالقوة التي تمكننا من أن نقول : ( لا عمي متأسفين)، و هنا يبقى دور الحراكات التقدمية و البعثية و الوطنية ......الى أخر القائمة من الموقعين على البيان المعروف، و التي كانت تهدد بالويل و الثبور و عظائم الأمور إن تم تأجير الأرض أن تقف مع الحكومة التي قالت : لا تأجير؛ فالوضع لن يتوقف على الضغط المادي لرفع الأسعار و تفجير الشارع إنما سيتعداه، فهل انتم مع الأردن؟ أم أنتم ضده سواء أجّر الأرض أم لم يؤجر؟
كلمة أخيرة للحكومة: نحن اصحاب المثل القائل "ما في حدا بيقول كيف حال ابوك؟" و نعلم أن لا قرض او هبة إلا و مقابلها طلب، فلماذا نبني ميزانيتنا على هبات الآخرين؟ يجب حذف هذا البند من الميزانية، فإن جاء يا هلا، و أن مُنع فبالسلامة.
نعتذر من المرحوم بإذن الله جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه إن كنا استذكرنا يوم ميلاده على هذه الطريقة هذا العام.
بقي أن نقول : كل الشكر لكل من قدم لنا مساعدة ، و العذر لمن تأخر و الحرية لمن توقف، وما عند الله خير و أبقى.
alkhatatbeh@hotmail.com