لا أحد قد سرّه مرأى التخريب والمواجهة بين الإخوة وأبناء الجلدة : المواطن - رجل الأمن -والمواطن - الانسان العادي.
في الواقع لقد تألم كل الأردنيون لمظاهر خرجت عن المألوف وعن المنطق وعن الشعارات التي تعوّدنا عليها سليمة وناعمة منذ قرابة السنتين، لكنّها تغيّرت وأصبح التعبير غير خال من العنف. حصل ما حصل، رغم انه كان بإمكانه أن يكون حضارياً وقدوة للآخرين دولاً وجماعات وأفراداً. واليوم علينا أن نفكر بمزيد من حرية التعبير.
حرية التعبير ؟ أجل، فحرية التعبير لدينا بحاجة إلى تنقية وإلى اعادتها إلى جوهرها الأساسي والأصلي والأصيل، فالأصل فيها أن تكون نقية ومن صميم حقوق الانسان التي تسعى المجتمعات المتطوّرة إلى تثبيتها والإبقاء عليها والدفاع عنها وإعادتها، ان هي غابت.
وهذه الحرية بنقائها الأصلي بحاجة إلى تربية وتعليم وتثقيف. وهي عملية طويلة الأمد، وهي مسيرة مضنية طبعا وبخاصة في المجتمعات التي لم تعتد عليها.
وحرية التعبير نتاج عملية تربوية منظّمة وممنهجة، تبدأ في البيوت، وتتبلور في المدرسة وتصقل في الجامعة والشارع ومكان العمل، إلى أن تصبح عادية وطبيعية وسلسة وسليمة... وسلميّة.
أمّا حرية التعبير العنيفة ( العنيفة بشعاراتها وبأعمالها ) فهي تشويه لما يجب أن تكون عليه الأمور، وهي تدل على خلل في التربية المنزلية ( أو البيتية ) والمدرسية والجامعية والمجتمعية.
لقد تعلمنا من الأيام الماضية درساً بل دروساً، وهي انّ الاوان قد حان لصرف مزيد من المال والجهد والتركيز على عملية طويلة الأمد هي عملية التربية على حرية التعبير الحقيقية.
ومنها كذلك ان هذه الازمة العابرة والتي لا نتمنّى أي امتداد لها بطريقتها العنفية، قد عمّقت حب الوطن والانتماء في قلوبنا، كأردنيين وكمواطنين مخلصين لوطننا ولقيادته ولإنسانه ولترابه ومائه المقدّسين.
ومن متابعتي لتفاعل الاصدقاء على شبكات التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها وألوانها، زدت يقيناً أنّ الأردن بلد رائد يسكن قلوب مواطنيه جمعياً، وهم حتى في أقسى الظروف لن يستغنوا عنه ولن يسلموه إلى المجهول والمستقبل الغامض. وكم من تعليق اتى على "بروفايل" كتب فوقه : في المرحلة الراهنة ، لسنا بحاجة الى فصحاء، نحن بحاجة الى حكماء...
نهاية، كم أعجبت بهتاف ملأ جبل الحسين، قرب الكنيسة التي أتشرّف بخدمتها منذ ثلاث سنوات حينما تردّدت أصداء في المنطقة كلها، تقول:
شعب واحد لا شعبين
مسلمين ومسيحيين
وهذا جانب لا يُستغى عنه، بل هو عنصر أساسي من الوحدة الوطنية الشاملة، وهو تاريخي وعزيز وسيبقى هكذا إلى الابد... بإذن الله.
مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام
Abouna.org@gmail.com