يعود أسباب تقدم دول التمور الآسيوية التي تقدمها ماليزيا وتسعى تركيا إلى اللحاق بها إلى 7 عناصر:
1- اقتصاد السوق الحرة.
2- العلم والتكنولوجيا
3- الجدارة والكفاءة الشخصية للفرد
4- ثقافة السلام.
5- احترام سيادة القانون.
6- التعليم.
7- البرجماتية.
وحتى نناقش هذه العناصر عنصراً عنصراً وإمكان تطبيقها في بلدنا بعد تأسيس الدولة المدنية وتعديلات الدستور، وتكون الديمقراطية والتعددية الحزبية أساساً لها، وتحترم الدولة مبدأ الفصل بين السلطات، ولا تغوّل سلطة على أخرى، ولا تتهاون في تطبيق لوازم مبدأ المواطنة، وتحميها من مضار كل أشكال التمييز بكل أنواعه، ويتحقق فيها إلى جانب الشفافية عدم الخلط بين السياسة العلمية وآليات تنظيم الدولة وعمل مؤسساتها وأجهزتها.
وعندئذ تكون هذه الدولة المدنية وضعت نفسها على سلم التقدم، وخطت خطوتها الأولى فيه.
ويأتي العنصر الأول من التقدم في هذا السياق باقتصاد السوق الحرة، يعني اختيار الليبرالية مذهباً اقتصادياً وفكرياً قبل أن يكون سياسياً.
لكن إذا كان اختيار اقتصاد السوق الحرة، يعني اختيار الرأسمالية، ينبغي أن تكون إنسانية غير متوحشة، أي أن حرية رأس المال لابد وأن تتوافق والعدل الاجتماعي، إما على ما يحدث في الدول الاشتراكية الديمقراطية أو في الدول الرأسمالية الصرفية، التي لا تتخلى عن مسؤوليتها إزاء المواطنين، سواء في الرعاية الصحية أو الاجتماعية، فضلاً عن التعليم، وما يقترن به من تشجيع الإبداع والارتقاء بثقافة المواطنين وأذواقهم سواء عن طريق مجالس مختصة أو وزارات ثقافة، كما هو الحال في دول أوروبا التي لا تخلو دولة منها من وزارة ثقافة، وذلك في حرية كاملة للتفكير والإبداع والبحث العلمي. يكفلها الدستور ويصونها.
هكذا نصل إلى العنصر الثاني الخاص بالعمل والتكنولوجيا، ومن المحزن أن ما تنفقه عربياً على البحث العلمي أمر يدعو إلى الخجل، مقارنة بالدول المتقدمة التي تنفق بسخاء على ذلك.
ويأتي العنصر الثالث الخاص بالجدارة والكفاءة الشخصية للفرد، وهو عنصر يعني أن الكفاءة هي أول ما تتطلبه فيمن يشغل المناصب القيادية المتدرجة، بعيداً عن الواسطة والمحسوبية أو التظاهر بالولاء والطاعة، وعلينا تعلم مبادئ النجاح البسيطة الكفاءة، قبل الوساطة، المشاركة لا المغالبة، الإيثار لا الأثرة، الموضوعية لا المحسوبية.
والعنصر الرابع هو السلام، ولا يعني الاستسلام ولا يتحقق السلام، إلا بالشعور بالقوة والأمان والاطمئنان.
أما العنصر الخامس فهو احترام سيادة القانون فهو أصل من أصول الدولة المدنية، ولا دولة أصلاً مع غياب سيادة القانون.
إن القانون هو الذي يميّز حياة المواطنين في دولة متحضرة، عن حياة الحيوان في غاية يلتهم فيها القوي الضعيف، والكبير الصغير.
والعنصر السادس هو التعلم، وهو مقترن بالبحث العلمي، فالتعليم هو قاعدة البحث العلمي، ويقوم التعليم في تكوين وعي المواطن وتثقيفه من الحضانة إلى نهاية سنوات الجامعة، وهو الفاعل الأساسي في تنمية الحس النقدي عن المواطن منذ الصغر.
ولابد أن يستقر وعي الشعب بواسطة التعليم وأجهزة التثقيف الموازية.
إن الديمقراطية تعني أن يحكم الشعب من خلال ممثلين له، يحفظون أمانته، ويحمون مصالحه، ويدافعون عند حقوقه العادلة، وإلاّ ما كانوا جديرين بشرف تمثيله، ولكن التحدي الكبير كيف نوصل للناس البسطاء ثقافة الديمقراطية التي تضيف إلى حكم الشعب قواعد الاعتراف بالوجود المكافئ للآخر، حيث يجمعنا وطن واحد، ينظر بعين المساواة إلى أبنائه والاعتراف بحق الآخر في الاختلاف، فهذه طبائع الكون ولولا ذلك لخلقنا الله جميعاً نسخاً متطابقة، أو كما جاء في سورة هود "ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين".
فالاختلاف يفضي إلى الحوار الهادف، إما إلى تعميق فهم الآخر أو المحاولة لاستماله إلى رأيه.
قال الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
إن معركة التحديث الثقافي اللازمة لاكتمال تأسيس الدولة المدنية، يجب أن تخوضها قوى المجتمع المدني ومؤسساته وتجمعات مثقفية في إشاعة ثقافة المواطنة، ونشر ثقافة الديمقراطية وربطها بثقافة حقوق الإنسان.
أما البرجماتية فلا نريد أن تفهم بالمعنى الخشن الذي يقترن بالنفعية الخالصة، وإنما بمعنى أقرب إلى المرونة، وعدم التصلب والاستعداد للتغير مع متغيرات الزمن.
والمثال البارز ما فعله الزعيم الصيني دنج زياو بنج في عام 1979 عندما أعلن برامجه الأربعة لتحديث الصناعة والعلوم والتكنولوجيا والجيش.
ولم يقف الزعيم الصيني عند المبادئ الشيوعية، التي ورثها، فطبق مبدأ الاجتهاد لا التقليد، والابتداع لا الاتباع، ومضى ملاحقاً خطوات الزمن الذي تخلفت بلده عن مجاراته في السرعة، ونقل حماسته في التغيير لشعبه، فكانت النتيجة أن أصبح الاقتصادي الصيني الثالث على مستوى العالم، وتتقدم الصين إلى الدرجة التي فرضت على الولايات المتحدة المسارعة إلى تعليم اللغة الصينية لطلابها، استعداداً للمضي في المنافسة، فهل يأتي علينا يوم نتعلم فيه هذه المرونة العملية؟
د.المهندس سامي الرشيد
dr.sami.alrashid@gmail.com