تجنيب الأردن التخريب .. بقلم د. محمد رياض
17-11-2012 10:42 AM
يبدو أن حمى الفوضى العربية التي تكتسح المنطقة بأتت تستشري في الأردن ايضاً، حيث بدأ الترويج والدعاية لإنتفاضات الغاز والكاز والخبز واللحوم والدجاج إضف إليها (رشة) من بعض مطالب الحرية والديمقراطية ورفض الصوت الواحد ينتج عندك خليطاً من ثورة عدالة إجتماعية وحرية ثم إستمر في النفخ في النار حتى يتحول الخليط إلى سائل ثوري مضطرب، قم بتفريغ المحتوى في اكواب صغيرة بعضها مستورد والآخر محلي الصنع وضع كل منها على نار خاصة وإستمر في النفخ، ثم اضف للكوب رقم واحد نكهة إقليمية بلدية وللكوب رفم إثنين نكهة حزبية، وطبقية للثالث وإجتماعية للرابع وهكذا إستمر في تعديد النكهات، وبعد ربع ساعة زمنية سيختفي شكل السائل الإبتدائي وتبدأ النكهات المختلفة بإنتاج أشكال ومذاقات مختلفة متمايزة وأنت ستستمر في النفخ، بعد دقائق سيبدأ كل كوب بالفوران الذاتي والتخلص من الشوائب الداخلية، هنا عليك الإستمرار في مراقبة الوضع حتى يفرغ كل قدح نصف ما فيه، عندها اطفأ النار وفرغ كل قدح في كوب جديد وضعهم جميعا في ثلاجة مستوردة شديدة البرودة، وتهانينا الحارة فقد قمت بإنتاج وطن فسيفسائي متعدد النكهات، ولا تنسى طبعاً ان تلقي بالأكواب القديمة في أقرب سلة مهملات.
وقد قلنا في السابق ولازلنا نقول أن اية ثورة او حراك شعبي غير مرتبط بقيادة مخلصة ومسنجمة ذاتياً مع اجزاءها وواضحة الاهداف تقوم برسم خطواتها وتقرير كيفية التعامل مع المستجدات ذاتياً وبإسلوب مستقل وموضوعي، سينقلب إلى حالة من الفوضى و التخريب والتفسخ المجتمعي وفقدان للسلم الأهلي.
ولا يهمني هنا الدفاع عن النظام الملكي في الأردن أو عن اي نظام حكم آخر على وجه هذه البسيطة، ولكن من واجبنا كمثقفين عرب النصح لأمتنا، فالمريض الذي يعاني من نزلة برد لا يعالج بقطع رقبته، ولا يجب أن نثور على حالات الإستبداد الداخلي لنستبدلها بنار التخريب التي لا تبقي ولا تذر، فيجب ان يتدخل العقل دائماً لتحديد معالم الطريق.
فمن ناحية حسابية علمية، الأردن كدولة بحجمها ومقدراتها وحدودها الحالية لا يمكنها إنتاج نهضة إقتصادية مهما تغيرت الوجوه القابعة في سدة الحكم وتغيرت لهجاتها، وهذا ينطبق على معظم الدول العربية صغيرة ومتوسطة الحجم في ظل وضع التجزئة الإقليمي الموجود، لكن يمكن طبعاً تبني سياسات للتخفيف من حجم الفساد العام، وهذا بحد ذاته لن يحل المشكلة كلياً.
كذلك فإن الأزمة الإقتصادية الحديثة نسبياً في الأردن وما سبقها من إتساع ملحوظ ومخيف للهوة بين الفقراء والأغنياء سببها بشكل أساسي دخول الأردن كعضو في منظمة التجارة العالمية الحرة ال ( WTO ) عام 2000م وما ترتب عليه من الرضوخ الرسمي لتعليمات وإشتراطات المنظمة المتعلقة برفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية وتعويم الأسعار وتخفيض أو رفع الجمارك عن الإستيراد، إلى آخر ذلك من إجراءات اثرت سلباً على مستوى ونمط معيشة الطبقات الوسطى والاكثر كدحاً في المجتمع، أضف إلى ذلك سياسة الإنفاق الحكومي الهائل وغير المدروس على مواد ومشاريع غير إنتاجية والتي أدت إلى تراكم العجز الحكومي وبالتالي حاجة الحكومات المستمرة لسد هذا العجز إما عن طريق الإقتراض الذ ي يفضي إلى مزيد من تدهور سعر صرف العملة ثم إرهاق الخزينة بفوائد هذه الديون على المدى المتوسط والبعيد أو عن طريق إضافة مزيد من الضرائب على السلع ورفع الأسعار.
ولذلك فالحل العملي والجذري في الأردن لا يمكن إلا ان يدور حول المحاور العامة التالية:
1. الإنسحاب الفوري من منظمة ال ( WTO) وإعادة تفعيل سياسات دعم السلع الأساسية
2. تجميد الإقتراض من البنك الدولي وتشكيل فريق قانوني مختص لإعادة مفاوضة البنك حول شروط وفوائد القروض المسحوبة سابقاً
3. السعي لدمج الأردن إقتصادياً بطريقة مدروسة وتكاملية مع دول الجوار العربي (العراق، سوريا، مصر، الخليج)
4. الإلغاء الفوري لمعاهدة وادي عربة لأنها فوق أنها معاهدة باطلة ومهينة تفرض على الأردن الكثير من القيود والإجراءات الإقتصادية التي تضر بالإقتصاد المحلي
5. تفعيل دور لجان مكافحة الفساد ودواوين المحاسبة والقضاء الوطني
أما سياسات الصراخ والزعيق وحرق الإطارات وتخريب الممتلكات العامة التي إستدانت الخزينة المليارات لبناءها وبفوائد ضخمة من قبل جماهير غاضبة لا تتبع منهجاً معلوماً ولا تلتف حول قيادة وطنية متزنة وشريفة ولا تعرف بالضبط ماذا تريد غير التعبير العنيف عن غضبها وفقط، في بلد تكمن فيه نيران الإقليمية والمناطقية و عدم التكافؤ الطبقي تحت الرماد، فإنها ستقود البلاد والعباد إلى محرقة الفوضى الخلاقة التي مازالت تجلياتها تتنقل من العراق إلى ليبيا واليمن ثم سوريا في أمة يلدغ مؤمنوها من نفس الجحر مرات ومرات ومرات على مدار التاريخ.
دنيا.