الأردن على "رول الجزيرة مباشر"
اسامة الرنتيسي
17-11-2012 10:36 AM
الخطاب السياسي والأمني في الأزمة الحالية، مرتبك، تأزيمي، قمعي، لا يبحث عن حلول.
رئيس الوزراء يخرج في ثلاثة أيام في مقابلات تلفزيونية، بدأها في التلفزيون الأردني، وبعدها في فضائيتي "العربية" و"الجزيرة".
في اليوم الثاني لقرار رفع الاسعار، يقطع النسور أية محاولة للبحث عن حل، ويعلن "لن أتراجع عن القرار مثلما فعلت حكومات سابقة" وكرر ذلك في اليوم الثالث وعلى "الجزيرة" تحديدا، وكأنه يقول لكل المحتجين والغاضبين، "أعلى ما في خيلكم اركبوه..".
إصرار النسور على التأزيم غير مفهوم، ويضع عشرات الأسئلة، على ما وراء القرار، الذي تجاوز بعده الاقتصادي إلى أبعاد أخرى، وأدخل البلاد في حالة من التأزيم غير مسبوقة، مثلما هي الشعارات التي أصبحت متداولة بين العامة، وأبسطها "إسقاط النظام"، فمن المستفيد من هذا التأزيم؟.
تسمع النسور تشعر أن الدولة كانت ستسقط ماليا إذا لم ترفع الأسعار، وتسمع من خبراء اقتصاديين مختصين أن هناك مبالغة شديدة في كلام النسور، ومن سياسيين أن قراره لم يأخذ بالحسبان أي بعد سياسي أو أمني لِما قد يحدث، حتى تصل الأمور إلى تركيب سيناريوهات مؤامرة من داخل الدولة على الدولة ذاتها.
نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أيضا، استدعى قيادات الإخوان المسلمين، وهو يعرف مسبقا ردهم على ما سوف يطلبه منهم، فكيف يطلب منهم تهدئة الشارع، وهم فعليا ليسوا المحرك الرئيسي للاحتجاجات، بل القرار الحكومي برفع الأسعار، ولا يوافقون على الأقل في بياناتهم وتصريحاتهم على شعار "إسقاط النظام"، ومشاركتهم في الفعاليات وبالذات ظهر أمس أمام الجامع الحسيني كانت عادية، وإذا كانت قناعة الحكومة أن لدى الإخوان القوة في تهدئة الشارع، فمن المستحيل أن يقوم الإخوان بمساعدة الدولة في قرارها رفع الأسعار.
أما الخطاب الأمني، الذي تمثل بوضوح في المؤتمر الصحافي لمدير الأمن العام، فكان في قمة التأزيم والتهديد والانفعال.
فأبسط لغة تحدث فيها الفريق حسين المجالي، كانت "سنضرب بيد من حديد"، وأخطرها، محاولة وصف المشاركين في الحراك والاحتجاجات، أو بعضهم للدقة، بأنهم من أصحاب الأسبقيات، وحتى لو كان ذلك دقيقا، فلا يجوز لمدير الأمن العام، لا قانونيا ولا سياسيا، أن يُشهِّر بأحد أبناء الحراك وباسمه الصريح، والخماسي وليس الرباعي، فأي تأزيم أكثر من هذا.
ما زالت الاسئلة معلقة حول حقيقة قرار رفع الأسعار، وبالنسب غير المعقولة، وبالتوقيت غير المناسب، وبالخلفيات السياسية التي بدأت تظهر للعيان، والتي كان أخطرها تصريح الخارجية الأمريكية بأن "الشعب الأردني يتطلع للتغيير على غرار ما شهدته دول عربية أخرى خلال الربيع العربي"!. وأمام هذا التصريح تنفتح مئات الأسئلة، محليا وعربيا ودوليا، والمخططات التي يروج لها في المنطقة، ودور الأردن في بعضها، وخاصة في الملفين السوري والفلسطيني.
لتعترف الحكومة وأجهزتها، أن قرارها رفع الأسعار وبالنسب العالية قد خلق حالة قلق غير مسبوقة لدى الأردنيين، ظهرت أمس في شوارع العاصمة التي خلت معظمها من حركة السير النشطة، وكأننا في حالة منع تجول، لكن هذا الواقع لا يجوز للحكومة أن تطمئن له كثيرا وأن قرارها قد نفذ، وأن المواطنين قد قبلوه، لأن ترك النار تحت الرماد، أخطر بكثير من إشعالها.
ينتظر الأردنيون تدخلا ملكيا لرفع الظلم عنهم، أو على الأقل تخفيفه، من أجل حماية لقمة عيشهم، وحماية استقرار حياتهم، فما يجري حولنا، لا يسر صديقا، ولا يقبله عدو.
لننتبه إلى أن الأردن الآن على "رول الجزيرة مباشر"، وجميعنا يعرف ماذا يعني هذا في زمن الربيع العربي .
العرب اليوم.