أما وقد صار واضحا أن الإخوان المسلمين يسعون الآن إلى خلط الأوراق وتأزيم المشهد بمطالبهم الثلاثة التي طرحوها في حوارهم مع وزير الداخلية، فإن الحسابات يجب أن تختلف تجاه سياسة الاحتواء لمظاهر الاحتجاجات التي تسود الشارع الأردني، والتي نتفق على أن 90% منها على الأقل هي مظاهر عفوية ومشروعة ومسؤولة، بينما يحاول الإخوان أن يطرحوا أنفسهم كتنظيم قيادي يستطيع أن يوجه الجموع لتحقيق مصالحه.
يمر الأردن اليوم في أزمة اقتصادية طاحنة، وقرارات رفع الأسعار أتت لتضع الأردنيين أمام الخيارات الصعبة التي لم يعد يجدي معها التأجيل أو التسويف، ولكن الإخوان يطرحون مطالب سياسية بامتياز تتمثل في تصفية الحسابات الانتخابية وإعادة الأردن إلى المربع الأول في موضوع الإصلاح السياسي، فهم يطرحون إلغاء الانتخابات النيابية لترتبط بتعديل قانون الانتخابات بما يتفق مع مصالحهم، والتي يبدو أنها لا تقف عند سقف رفع قوائم الوطن إلى 39 مقعدا، فهم يتطلعون إلى المزيد، والمزيد يعني أن يتم إلغاء حصص الأقاليم والمدن التي فاتها قطار التنمية، وأصبحت تعتمد على تمثيلها النيابي لتحصيل بعض المكتسبات.
ويتقدم الإخوان خطوة أخرى بالمطالبة بتحديد صلاحيات الملك من خلال تعديل دستوري، معتمدين على زخم المظاهر الاحتجاجية، وكأنهم يضغطون لاستمرار الوضع المتأزم لأسابيع قادمة، ووضع الأردن على احتمالات صعبة وحرجة، فالمحتجون في المحافظات المختلفة يرفضون رفع الأسعار لأن جيوبهم خاوية، وهم لا يطرحون ولا يفكرون وربما تعارض أغلبيتهم التعديلات الدستورية المطلوبة، لأنها لو حدثت، فإنها لن تؤدي إلى حل الأزمة الاقتصادية، ولا إلى تحريكها.
يجب على الحكومة اليوم أن تتحدث مع المواطنين بشفافية، وما دامت قررت أن تتخذ الخيار الصعب، والحل المرير، فعليها أن تطرح وبكل شفافية الأوضاع الاقتصادية والمالية على الأردنيين، مع تعهدات جدية ، بالعمل على الحد من مظاهر الاسراف الحكومي بجميع أشكالها، ويجب أن تتخذ اجراءات ثورية مثل منع السيارات كبيرة السعة من دخول الأردن لخمس سنوات، فهي تستهلك من الدعم أضعاف السيارات الصغيرة، وجزء كبير من مشكلة الدعم هو في حجم الاستهلاك، فلماذا لا يتم وضع قيود على حدود الاستهلاك لكل أسرة حسب عدد أفرادها، ويمكن أن نستقيل في الأردن من بعض أو جميع أفكار السوق الحر.
يجب تفويت الفرصة على الإخوان لإقحام الأردن في المدار الجديد الذي بدأت ملامحه تتضح في المنطقة، وهذا يتطلب شجاعة من الحكومة وحضورا أوسع مما شهدناه في الأيام الماضية، والحلول يجب أن تتابع ومعها المبادرات التي تحد من الإنفاق غير الضروري، وكثير من الشفافية في التعامل، ولكن أن يتم قبول فكرة المساومة مع الإخوان لتمرير صفقة في الظلام تتعارض أساسا مع الديمقراطية، وتضرب مصالح فئات واسعة من الأردنيين ومكتسباتهم فهو أمر غير مقبول، وأن نقتنع الحكومة بأن الإخوان هم وراء الحراك فهذه مشكلة، إنهم على أطرافه، ينظمون ويحركون، ولكن، لا هم ولا غيرهم، يمكن أن يكونوا كتلة الحراك الصلبة، ولا يمكن تحميل سفينة الحراك المثقلة بهموم الوطن، بدفعة من المصالح الضيقة والمرحلية.
لو اختصر الإخوان مطالبهم في العودة عن القرارات الحكومية برفع الدعم، لكان من الممكن وضع افتراض حسن النوايا، فذلك هو المطلب الشعبي الضروري الآن، ولكنهم أصروا أن يضعوا على سنام الشعب الأردني مطالبهم الخاصة، وأن يقدموها على المطلب الرئيسي، بحيث تبدو وكأنها هامشية أو غير ملحة.
الراي.