إحدى الحقائق الأساسية التي يمكن ان نستنتجها من حصاد العامين السابقين ان حالة من الوعي الجديد قد تشكلت لدى الناس في الاردن، وترجمت في عدد من المطالب السياسية والاقتصادية التي شكلت قاسما مشتركا للأغلبية، ومن الحكمة ان لا يتم تجاوزها، لانها اصبحت حالة قائمة تتحكم في توجهات وسلوكيات الناس. وهذا ما ينبغي ان تدركة كافة مفاصل صنع القرار ومتخذيه.
الحقيقة الثانية ان على الحكومات ان تقتنع مرة واحدة وللأبد انها لم تعد اللاعب الوحيد في المشهد القادر على فرض توجهاته وقرارته سواء كانت صائبة او غير صائبة بطريقة إملائية كالسابق، اليوم هناك لاعب آخر هو الشعب وهذا لن يتخلى عن دوره خصوصا كلما زادت الاوضاع الاقتصادية صعوبة وكلما ابتعدت الدولة عن نمطها الريعي..
وبدلا من فرض علاقة تقوم على المواجهة بين الطرفين فمن المصلحة والحكمة البحث عن الأدوات والوسائل والطرق التي تجعل من هذه العلاقة علاقة تشارك وتفاعل حقيقيين عبر القنوات الديمقراطية القادرة على إحداث التغيير في حياة الناس.
الحقيقة الثالثة أن تخلي أي دولة عن دورها ونمطها الريعي سيقابله بالقطع تنامي لشراكة الشعب في قرارات السلطة وفي فرضه لرقابة شعبية صارمة على سلوكيات السلطات الرسمية في الدولة.
وطالما ان الحكومات لم تعد تستطيع رغم تأكدها من خطورة اتخاذ قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية الا ان تتخذه وتزيد من تخليها عن نمطها الريعي.. فعليها ان تعود الى قواعدها الشعبية وان تحقق الرضى العام لها عبر تحقيقها لمطالبها العامة والمشتركة،، بخلاف ذلك فان الأزمة ستتعمق باتجاهات بالغة السوء.
الحقيقة الرابعة، صحيح ان هناك جملة من المطالب تشكلت حولها حالة من التوافق العام لغالبية الاحزاب على اختلاف توجهاتها وللحراكات الشعبية وللناس مع وجود تباين في تفاصيل بعض المطالب وخصوصا تلك المتعلقة بالحياة السياسية، الا ان ما يشكل قاسما مشتركا لكافة الفئات هو ملف الفساد العام والسياسات والقرارات والمسلكيات التي خلقت تشوهات في مجمل مفاصل الدولة وخلفت جملة من التساؤلات الشعبية المعقدة، ومن الحكمة ان تتعامل معها الحكومات بجدية واضحة على اعتبارها مفاتيح اساسية للحلول.
الحقيقة الخامسة ،صحيح ان استرداد جزء من المال المنهوب قد لا يحل إلا جزءا بسيطا من الأزمة المالية كما ترى الحكومة، لكنه حاسم من اجل استعادة هيبة الدولة وسيادة القانون وتحقيق الرضى العام وقبول الناس للاجراءات الاقتصادية المالية الصعبة،فاستعادة ثقة الناس بسيادة القانون هي المدخل الاساسي لقدرة الدولة على بسطه في هذه المرحلة،.وهذا ضروري لكل الحلول والاجراءات القادمة ، فالتجاوز على القانون أسس لحالة من عدم الثقة تجاه كافة مؤسسات الدولة.
ما يحدث اليوم يختلف عن حركة الاحتجاج عام 1989 اليوم ،فالحركة تحمل مضامين أخرى غير زيادة الأسعار وزياد صعوبة الاوضاع الاقتصادية، اليوم هناك رفض عام لسياسات الحكومات السابقة وهناك حالة من الوعي الخاص لها خصائصها التي تشكلت محليا تحت الإحساس بأخطاء المرحلة ، واخطر ما فيها زيادة حدة الاحتقان العام، وخارجيا تحت ايقاع متغيرات المنطقة.
البلد اليوم أمام لحظة فارقة سواء تصاعدت الحالة الاحتجاجية أم تراجعت، هذه اللحظة تشير بانه لا خيار الا الاختيار بين الذهاب الى الشعب ومطالبه واما الاستمرار على الحال السابق وزيادة حدة الازمة، وبالقطع فان اي خيار غير خيار الانحياز لمطالب الشعب لن يحل الازمة بقدر ما سيفاقمها وبكلف اعلى بكثير.
اليوم يمكن لأي مبادرة رسمية تحمل أفقا وطنيا ان تقدم حلولا معقولة ومقنعة على صعيد استرداد المال العام وملف الفساد ومعالجة إشكالية التشوهات العامة في النفقات وغيرها، والتضحية بهم لصالح تجديد العلاقة مع الشعب، ان تحدث انفراجا وتصحيحا للمسار العام في الدولة وفي المزاج العام للناس وان تعبر بالبلاد من هذه الأزمة بأقل كلفة.
oeat2007@yahoo.com