لم يكن هناك حاجة الى اي جرعة زائدة من الذكاء حتى يسهل التنبؤ بتحول الأوضاع في الأردن. الحقيقة أن اللوم يلقى اولاً على كل من انكر الواقع الأردني و استند الى دراسات غير واقعية يقدمها "العابرون" من المستشارين الذين لم و لن يفهموا ابداً طبيعة الواقع الأردني. او من خدع نفسه بجدوى الحلول الأمنية, التي فعلياً عملت على اخفاء الأزمة مؤقتاً, مما أدى الى انفجارها اليوم بهذه القوة. فبعد تطبيق مفهوم تحرير الاسعار تكون اخر شعرة في العلاقة الريعية بين الأردنيين و دولتهم قد قطعت, لهذا من الطبيعي أن يسعى الأردنيون للتحرر من كل أنواع التبعية. الأهم أن الأردنيون سيبدأون باعادة النظر في كثير من الضرائب التي مازالوا يدفعونها تحت مسميات عثمانية و خصوصاً ضريبة البنزين و المبيعات و ضريبة التلفزيون و الجامعات. لهذا فان اختيار رفع الدعم يحب ان يتبعه اسقاط لكل الضرائب الوهمية التي مازال يدفعها الأردنيون بصمت.
على كل الأحوال, قد نتفق على أن الأوضاع الاقتصادية في الأردن سيئة و بحاجة الى تضحية, لكن السؤال هل التضحية تطلب فقط من الأردنيين البسطاء؟ يخطئ تماماً من يعتقد بقدرته على تحويل الاردنيين الى "الخيار الدائم و الأسهل". من يطلب من الأردنيين ان يسمعوه اليوم كان عليه ان يؤسس لقناة حوار و تواصل شفافة معهم, قبل هذا كان لابد لكل المتواطئين في عملية اغلاق ملفات الفساد ان يدركوا ان الادارة السيئة لهذه الملفات كان لابد لها ان تؤتي نتائجها السلبية على النظام السياسي برمته, الشريك و المتواطئ و مانح صكوك الغفران. لهذا كان ملف الفوسفات هو شعرة الثقة الأخيرة التي قطعت الى غير عودة.
لقد تمنى الأردنيون منذ اليوم الأول لحراكهم ان يجدوا أذناً تُصغي لصوتهم, او عقلاً يفهم مطالبهم. لم تكن مطالب الأردنيين يوماً كبيرة. القصة, في بدايتها, اقتصرت على مكافحة الفساد, و ضرورة الانقلاب الحكومي على سياسات و نهج المرحلة الأخيرة, و الاهم التخلي عن نوعية المسئولين الذي احتلوا مواقع الدولة الرئيسية نظراً لعلاقات الصداقة و الشراكة التجارية و التقاء الهوايات في بعض الأحيان. هؤلاء الذين عرفوا بأعضاء نادي الحكم هم من عمل على تسريع غضب الأردنيين و استهلاك صورة النظام السياسي. الأغلبية اليوم ترى أن الاحتجاج -بكل اشكاله- اصبح واجباً وطنياً,و على كل اردني ان يختار النموذج الذي يناسبه لإبداء غضبه.
للأسف, في اللحظة التي تغيب فيها العقول و تسود الغرائز يصبح وقع الكلمات ضعيفاً و المنطق بلا جدوى. لهذا لا يمكن اقناع الأردنيين اليوم بان جيوبهم و قوتهم هي الحل, خصوصاً ان مناخ الثقة و المصداقية قد اختفى, و انقطعت حالة التواصل بين صناعة القرار و الداخل الأردني, حيث ان الأردنيين لم يشهدوا حلولاً تقدم على ارض الواقع في السنتين الأخيرتين, سيناريوهات تفكيك الدولة الأردنية لم تنته, و المؤسسات المستقلة التي تلتهم جزء كبير من الميزانية لم تُمس, و ميزانية الديوان الغامضة و التي يعتقد انها وصلت الى ارقام فلكية لم يتم التطرق اليها, حتى استعادة اصول و ثروات الدولة لم تطرح كبديل, اذاً أيعقل بعد هذا أن يُطلب من الأردنيين تحمل الشقاء القادم.
هناك من يرى أن العقلية الانتهازية ستحاول استثمار الغضب الأردني من اجل الاستجداء و البحث عن مساعدات خليجية -و بالأخص سعودية-, لكن هل يمكن المراهنة على غياب العقل؟ و توقع حجم الغضب؟
أخطأ من ارتكب هذه الحماقة, فالأردن كان يستعد لمرحلة انتقال سياسي و انتخابات برلمانية كانت قد تشكل -الى حد ما- مخرجاً سياسياً للانطلاق في مرحلة جديدة قادمة. اليوم انتهت هذه المرحلة و لا يمكن ان يكون للعملية الانتخابية اي أثر قادم. بهذا تكون آخر الأوراق التي تم الرهان عليها قد حرقت. اما ان كان المطلوب (نشر الفوضى) من اجل تقديم المسوغات لفرض قانون الطوارئ و الذي سيتم استغلاله من أجل المضي قدماً في سيناريو المنطقة العازلة في درعا, فهذا يعد امرا كارثياً على الأردن و جيشه و أهله.
http://amersabaileh.blogspot.com