ما حدث على امتداد الأردن خلال الساعات الماضية -والقادمة على ما يبدو- هو امتحان حقيقي لجميع المؤسسات والمواطنين والقوى السياسية في وضع الحد الفاصل ما بين ممارسة إدارة الدولة بالحكمة أو بـ”الفهلوة”، وما بين ممارسة المعارضة السياسية بالمسؤولية أو الانفلات.
لن نرضى أن نكون رهنا ما بين فهلوة الإدارة وانفلات المعارضة وما نريده هو تعزيز الإدارة الحكيمة والمعارضة المسؤولة التي تعبر وتغضب وتحتج ولكن دون تخريب الممتلكات والمساس بحقوق المواطنين أو مكتسبات الدولة.
شخصيا اثق بأن المجتمع والدولة في الأردن سيجتازان هذا الامتحان ولكن ستكون هنالك خسائر وتبعات قاسية شاهدنا بعضا منها ليلة الثلاثاء متمنين أن تكون هذه أقصاها، ولكن من المؤكد أن حالة مراجعة شاملة للمسار الذي نمضي به بحاجة إلى أن تحدث وبشكل سريع لاستعادة الثقة بين مؤسسات الدولة والشعب.
حتى لو كنا مقتنعين بمبررات القرارات الحكومية الأخيرة فإن هنالك الكثير من علامات الاستفهام حول تصميم هذه القرارات وطريقة عرضها للناس ومضمونها على المدى البعيد.
الأردن يواجه تساؤلات وجودية فيما يتعلق بإدارة الدولة وطريقة أداء الحكومات وتشكيلها ومهامها وصلاحياتها إضافة إلى إدارة ملفات الطاقة والغذاء وغيرها وهي تحتاج حلولا خلاقة وليس فزعات فورية لمواجهة التحديات الضاغظة في الوقت الراهن فقط.
الغالبية العظمى من الأردنيين قلقون ومتألمون وغاضبون، ولكنهم يحبون بلدهم ولن يعرضوه للخطر.
في المقابل هنالك فئة ذات طموحات سياسية وأخرى تمتلك قلوبا سوداء تريد أن تنعق للخراب وقرار رفع الدعم هو الفرصة الذهبية التي كانت تنتظرها منذ سنة ونصف تقريبا. هذه القوى مدعومة بالبنية التحتية اللوجستية والبشرية وأجهزة الإعلام التي تنتظر إدخال الأردن إلى الأخبار الرئيسة في نشراتها ومن المتوقع أن تزداد شراستها، وهذا ما يتطلب الكثير من الحذر والحكمة في عدم الانسياق وراء دعوات الهدم الذاتي. معالجة تبعات الأزمة الاقتصادية والقرارات الأخيرة يجب أن يتم ضمن اطار احترام القانون وحقوق المواطنين الآخرين والسلم الاجتماعي ومن يتظاهر ضد رفع اسعار المشتقات النفطية لن يكون عاقلا في حال رفع سقف شعاراته إلى مستويات ستكون لها تأثيرات مضاعفة على الأمن المعيشي للمواطنين.
في محصلة الأمر خزينة الدولة تحتاج إلى السيولة النقذية لإنقاذ موازنة العام القادم وخدمات الدولة الحالية والسؤال هو عن الجهة التي ستدفع الثمن.
القرارات الأخيرة تجعل المواطن يتحمل المسؤولية الأكبر ولكن اقتصاد الدول لا يدار بهذه الطريقة ولا بد من وجود ضخ للسيولة النقدية من الخارج في هذه الفترة الحاسمة، مع تخطيط حقيقي وغير متسرع للقطاعات الرئيسة ومنها الطاقة التي يجب أن تصل وبأسرع وقت إلى حالة تحرير المشتقات النفطية وجعلها خاضعة للمنافسة والتي من شأنها حماية الدولة من تداعيات دخولها شريكا في قطاع النفط ومنح الفرصة للسوق ليحدد السعر بناء على السعر العالمي ووجود منافسة محلية تحسن النوعية وتقلل الأسعار.
الأولوية الآن هي لمعالجة تداعيات القرار سياسيا واقتصاديا وليس فقط أمنيا، لأن الأمن العام الذي أظهر قدرة احترافية عالية جدا بضبط احتجاجات ليلة الثلاثاء لن يستطيع أن يتحمل العبء لوحده، وفي حال وصلت الأوضاع إلى ضرورة إعادة النظر في القرار وتأمين مصادر بديلة ولو جزئيا فليكن.
العناد والتمسك بالرأي هو أخطر المواقف التي يمكن أن تتخذها الحكومات في ظل هذه المرحلة التي تتطلب المرونة وإحداث التغيير الجذري المنشود في طرق إدارة الدولة.
فليحفظ الله الأردن.
batirw@yahoo.com
العرب اليوم