فضيحة أم شهادة لـ "بي بي سي"
د. حياة الحويك عطية
14-11-2012 10:03 AM
العاصفة التي ضربت المحطة البريطانية الأكثر عراقة والأكثر مصداقية في العالم، لم تزلزل أعمدتها ومصداقيتها فحسب، وإنما تثير في الذهن ترددات زلزالية تتعلق بمصداقية كل وسائل الإعلام، خاصة السمعية – البصرية التي أرادت أن تكون الـ "بي بي سي" نموذجها.
من المدير العالم جورج ايتويست الذي لم يمض على تسلمه لمهامه إلا خمسة وخمسين يوما، والذي أجبر على الاستقالة، إلى مدراء التحرير الذين حوِّلوا إلى التحقيق، المجموعة البريطانية كلها تهتز تحت ضربات العاصفة، ولذلك رأى كريس باتن، المشرف العام من قبل المجموعة الأوروبية على المجموعة الإعلامية، أن الإسراع في الإجراءات العقابية لا يقبل التأجيل، كما رأت وزيرة الثقافة البريطانية ماريا ميللر أنه لا بد من السرعة والصرامة كي تتمكن " بي بي سي" من استعادة مصداقيتها وسمعتها لدى الجمهور البريطاني والأوروبي.
وإذا كنا نحن كأهل إعلام، خبراء وصحافيين وجمهور عربي نشعر أننا أقل تأثرا بالموضوع من الطرف البريطاني، إلا أننا لا بد أن نقف متأملين إزاء القصة كلها والإجراءات، أولا لأننا نتلقى بي بي سي باللغة العربية، وبالتالي نتلقى منها رواية ما لقضايانا ومجريات الأحداث في بلادنا وتحليلها، مما يجعل هذه المحطة مساهمة في تشكيل رؤانا منذ الخمسينيات على الأقل ( إذاعة ومن ثم تلفزيون) وثانيا لأن ظروف الإعلام العالمي أصبحت في عصر العولمة أشبه بالأواني المستطرقة، ولنا أن نسأل هل ما يتم انتهاجه في الـ " بي بي سي " يتم في وسائل إعلامنا السمعية البصرية التي أصبحت بغالبيتها فضائية، بمعنى أن فضاءها أصبح – لا العالم العربي كله فحسب وإنما الفضاء الجيولغوي لكل من يفهم العربية، حتى ولو لم يكن يكتبها ويقرأها. علما بأن أداءها يظل رغم كل شيء أقل مهنية وموضوعية من أداء الـ" بي بي سي".
من دون الدخول في التفاصيل، تتلخص فضيحة الـ " بي بي سي " في أمرين: خبر مشين، عن شخصية سياسية في إدارة مارغريت تاتشر، وحرمان هذا الشخص من حق الرد، ليتبين بعد سنوات أن الخبر غير صحيح مما أكد عدم قيام سلطات المحطة بالتحقيقات الكافية للتأكد من صحته. وقد ركز البيان الذي أصدرته إدارة المحطة على العنصرين الأخيرين: " التحقق الصحافي الأساسي الدقيق من المعلومات " و"الحرمان من حق الرد"معتبرا إياهما" أمرين غير مقبولين" ولذا فهما جوهر القضية وجوهر تجريم المسؤولين عن البرنامج والمحطة.
بل والأنكى أن التحقيقات الجديدة قد كشفت أن مذيعا في برنامج نيوز نايت الذي بث الخبر، كان هو نفسه من يمارس التحرش الجنسي بالأطفال، وذاك ما اتهم الرجل السياسي به.
إعصار الأسئلة الذي يطالنا أمام كل هذا: يبدأ من: هل لنا أن نعجب بالـ "بي بي سي"، وهي تعود بعد سنوات لتعيد الحق إلى نصابه وتعاقب من تجرأ على مهنيتها ومصداقيتها الصحافية، هي المؤسسة الأكثر شهرة في هذا المجال؟ أم أن علينا أن نتعلم الشك المنهجي فيما تقوله؟
وإذا كان علينا أن نتعلم الشك المنهجي النقدي فيما تقوله المجموعة الإعلامية الأعرق والأكثر مهنية، فكيف يمكن لنا أن نتلقى ما تنقله المحطات الأخرى؟ وإذا كان عصر ثورة الاتصالات قد اتسم حتى الآن بأكثر شوائب اللامصداقية واللاموضوعية (مما لا تشكل بي بي سي نقطة في بحره) فهل لنا أن نحلم يوما بأن تأتي إدارات تحاسب على الكذب والتضليل الإعلامي وتحوير الأخبار وفبركة الاتهامات في أمور قد تتجاوز مجرد تهمة تحرش جنسي؟
ويبقى سؤال أخير ينعكس على الجميع: ترى لو لم يكن المحافظون في الحكم في بريطانيا، فهل كانت " بي بي سي" ستعاقب على تعرضها لرجل مارغريت تاتشر ويعاد إليه اعتباره؟
العرب اليوم.