الدولة تفكك نمطها الريعي !
راكان السعايدة
13-11-2012 07:23 PM
منذ تأسيس الدولة (الإمارة وتاليا المملكة) إلى الآن، حافظت على مقدار معين من الدور الريعي لمواطنيها، بوصفهم قاعدة اجتماعية صلبة يعول عليها كلما أدلهمت الخطوب وحاف نظامها خطر ما.
والدور الريعي ؛كان وليد الحاجة والمصلحة، فتكاملا في مسار بناء الدولة وضمان استقرار نظامها، على نحو بدت فيه الريعية كشرط أساسي، غير مصرح به، ينظم العقد الاجتماعي بين الطرفين.
وبقي هذا النمط مستقرا إلى نهاية الثمانينات عندما افاقت الدولة على أزمة اقتصادية طاحنة، ودخلت مذاك في سلسلة من برامج "تصحيح" اقتصادي أنطوت على حقيقية مناقضة للدور الريعي للدولة.
إذ فرضت برامج "التصحيح"- وهي بطبيعة الحال برامج اقتصادية بأهداف سياسية- نمطا اقتصاديا يقوم على إنهاء كل مظاهر الدولة الريعية وتحويلها إلى اقتصاد السوق ومحدداته (العرض والطلب) كشرط جوهري لمساعدتها على الخروج من أزمتها.
أي أنه في المعنى النهائي تريد من برامج "التصحيح الاقتصادي" إخراج الدولة من السوق والاكتفاء بدور رقابي توجيهي، يتدخل في أضيق الحدود عند أية أزمة لا يستطيع السوق بذاته تصحيحها.
وطيلة السنوات العشرين الأخيرة، سلكت الدولة – الحكومات- طريق رفع الدعم عن السلع والخدمات بموازاة نهج الخصخصة الذي أفقد البلد مواردها من الصناعات التعدينية والاقتصاديات الخدمية.
ولم يترك نهج الخصخصة للخزينة خيارا غير تعويض تراجع مواردها إلاّ بزيادة الضرائب وفتح الباب لاستثمارات استفادت من امتيازات وإعفاءات، دون أن تقدم مردودا يوازي ما حققته من أرباح تحول آليا إلى الخارج.
الدولة لم تحاول تصحيح هذا المسار، بل كانت أكثر انخراطا فيه، برغم صيحات قوى سياسية واجتماعية استشعرت خطورة مسار بات يفاقم المديونية وإضعاف القدرات الشرائية للمواطنين وجعلهم نهبا لآليات السوق ورفع معدلات الفقر والبطالة، كنتيجة حتمية لإنفاذ شروط "التصحيح"و الاقتراض المنصبة على إنهاء كل أشكال الدعم.
وهاهي الدولة تبلغ أوج تخليها عن دورها الريعي بالكامل عبر قرارات رفع الدعم المرتقبة لتعويض حجم عجز مدعى به لم تؤدي إليه رواتب موظفيها وما تنفقه لإدامة حياتهم بقدر تخلي الدولة عن أصولها الاقتصادية بخصخصة كان يفترض أن تأتي بالانتعاش لا بالإفقار.
ويؤدي رفع الدعم في لحظة إقراره إلى طي النمط الريعي، وإلى الانخراط الكلي في السوق المفتوح واستحقاقه الابرز:" انعدام قدرة الأذرع الرسمية على التدخل لضبط إيقاعه".
وسيكون المواطن، من غير حماية، ووحيدا في مواجهة أكلاف آليات السوق والتسعيرة الغامضة المحدد الأساسي لارتفاع وانخفاض الأسعار، وإن كانت الأخير بالتجربة ليست مظهرا اقتصاديا وطنيا منذ تجربة اقتصاد السوق.
إن أبرز ما يعنيه تخلي الدولة عن دورها، سياسيا وأجتماعيا، أن الأساس الأخلاقي والتزاماتها التي ربطت القاعدة الاجتماعية بالمستوى الرسمي سيصيبها العطب وتفقد الكثير من قيمتها، وقد تدخل طورا جديدا من إعادة الصياغة.
وفي الأصل، القاعدة الاجتماعية تعاني من فجوة ثقة كبيرة بالمستويات الرسمية، مدفوعة بشكوك عميقة حيال معالجة ملفات الفساد وأسباب ارتفاع المديونية التي فاقت قانون الدين العام من غير أن تظهر في بنى تحتية أو ارتفاع في المداخيل.
والحال، المواطن، سيضطر إلى دفع كلفة إدامة حياته كاملة، ولن يكون مضطرا إلى القبول بكل سياسات الدولة وتوجهاتها، داخليا وخارجيا، بعد ان كان يقبلها بسكوت، ولن أقول بتواطؤ، يفرضه ما تقدمه الدولة ونمطها الريعي الذي شارف تفكيكه على النهاية.
غير أن السؤال الأساسي: أي مقاربة أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية بلغتها الحكومية وأدت بها إلى الإقدام على قرار تدرك صعوبته، وتعي عدم قدرة الناس على احتمال أكلافه، وصولا الى احتمالات تخلي القطاع الخاص عن جزء من موظفيه وربما إغلاق استثمارت؟
وأي تقييمات للظروف السياسية الداخلية المأزومة، والإقليمية الخطرة، تلك التي لم تؤثر في سياق حكومة بينها وبين انتخابات نيابية على مرمى أشهر قليلة، تقاطعها قوى حزبية وشعبية مؤثرة؟.
الخشية أن حسابات الحكومة لن تطابق حسابات البيدر!!