عن الرئيس د. معروف البخيت
جميل النمري
25-11-2007 02:00 AM
تقويم حكومة هو إلى حدّ بعيد تقويم رئيس الحكومة، فنصف المجلس الوزاري يتم تداوله بين وزراء سابقين والنصف الآخر، ما بين تصعيد أمناء عامّين لوزارات وتزكيات جديدة من مواقع نفوذ، وفي النهاية تخرج التشكيلة الوزارية بقدر أقلّ أو أكبر من التوفيق، وليس هناك من خصوصية تميز أي حكومة سوى شخصية رئيس الوزراء. وإذا بدأنا بالايجابيات فأول ما ميّز شخصية الرئيس معروف البخيت النزاهة ونظافة اليد والحفاظ على مسافة فاصلة عن مختلف الأوساط ومنها وسط الأعمال والمصالح الخاصّة، فلم يعقد صلات ولم يفتح قنوات خاصّة مع أي وسط ولم يصنع وسطه الخاص من الأنصار والمريدين ولم يخضع أبدا للابتزاز النيابي والإعلامي، وقد بات معروفا أنه لم يمرر قرشا واحدا لزبائن معروفين في الإعلام يعتاشون على العطايا ولذلك تحمّل هجمات من منابر غاظها إغلاق حنفيات الإغداق من المال العام.
لم يبحث البخيت عن الشعبية ولم يشتغل على تلميع صورته الإعلامية ولم يمرر أو يتهاون بل كان حذرا متحفظا لضمان سلامة القرار، يضع مصلحة الدولة وسيادة القانون فوق أي اعتبار وكان يدقق كثيرا قبل وضع توقيعه ولعلّ ذلك جلب له سمعة "البطيء" والإطالة قبل اتخاذ القرارات.
مع خلفيته كمثقف عسكري جمع بين المحافظة والعصرنة، حاول البخيت السير على خط التوازن بين أولويات الأمن الوطني والديمقراطية، وظلّ يؤكد على انحيازه للإصلاح لكن من دون تسرّع يؤدّي إلى السقوط. وكان يتحدث بوضوح عن رزمة الإصلاحات السياسية مؤكدا امتلاك الحكومة لرؤية إستراتيجية ومنظور تنفيذي، وقد تحدث بهذه الرؤية مرارا لكن لم يثبت تماما إن المنظور التنفيذي كان موجودا بالفعل.
في ميزان السلبيات قد يكون الحذر والتحفظ جاء على حساب الديناميكية والانفتاح على الأفكار للتغيير، ومع أن الرئيس كان يكرر أنه فتح حوارا حول الأفكار والمقترحات المتصلة بالإصلاح ومن بينها قانون الانتخاب فأنا لا أعرف عن جلسة مع الرئيس نوقشت فيها أفكار عملية، فاللقاءات مع منظمات المجتمع المدني والنقابات والإعلام كانت تغرق في العموميات وتبدو أقرب لحوار الطرشان، وقد اشتكى الرئيس انهم لا يسمعونه ابدا مقترحات عملية محددة، لكنني لم ألمس أنه كان مهتما فعلا بسماع مقترحات عملية، وقد طلبت شخصيا اطلاعه على بعض الأفكار في وقت مبكر من ولايته لكن أولوياته كانت مختلفة قليلا، وربما كانت في ذهنه وجهة نظر معينة أو لم يكن يرغب بالوقوع تحت تأثير الآخرين وانحاز لموقف علني يقول إنه يجب أن تظهر أحزاب وطنية قويّة قبل تغيير نظام الانتخاب، والمهم أن الوقت مضى ووصلنا إلى انتخابات بالطريقة التي رأيناها.
يمكن تسجيل بعض القوانين التي أنجزت في رصيد ملف الإصلاح السياسي، لكن مفاصل حاسمة لم تنجز وقد تغلب المنظور الأمني وكانت المحصلة العملية التراجع بدل النهوض بالمناخ السياسي العام، وقد نعذر الرئيس أنه لم يكن إلا طرفا واحدا من عدّة أطراف في المعادلة الداخلية حسمت القرار بالتخلي عن مشروع حقيقي للإصلاح السياسي، بل لعله عانى كثيرا من تجاذب مواقع القرار في عدّة محطّات، لكنه اختار دائما تنحية أي حسابات أو اعتبارات تخص موقعه لصالح الالتزام كجندي في خدمة الملك والنظام.