محادين في مقالته ب"الرأي" : "تلك الليلة الليلاء" .. حينما أفسد التلفزيون علينا سهرتنا !!
خالد محادين
25-11-2007 02:00 AM
لم تشكل نتائج الانتخابات التشريعية للمجلس النيابي الخامس عشر أية مفاجأة بالنسبة للكثيرين وبالنسبة لي شخصيا، فالظروف التي سبقت هذه الانتخابات بكل ما شهدته كانت تشير الى هذه النتائج وتجعل من التوقعات حقائق قادمة، هي ما أسفرت عنه عمليتا الانتخاب والفرز.ما أود ان أشير اليه قبل الذهاب مع قراءة مؤشرات النتائج، هو ان أي مجلس نيابي يفقد لونه وطعمه اذا ما افتقد الى التعددية، وبقدر ما تحمل الانتخابات قوى سياسية وفكرية مختلفة، تكون المناقشات والقرارات أقرب الى المصالح العليا للوطن والشعب مما لو كان المجلس بلون واحد وطعم واحد، لذا فانني من كثيرين كانوا يتمنون ان يحمل الناخبون الى المجلس الخامس عشر ممثلين للشعب من شتى الاتجاهات السياسية والفكرية، ولما كان الفشل الصريح هو نتاج التجربة الحزبية في الاردن، وكانت جبهة العمل الاسلامي هي الحزب الوحيد الذي لا ينكر مراقب تنظيمه وحجم انتشاره وحراكه في المجتمع الاردني، كان توقف الجميع أمام الخسارة الكبيرة التي لحقت بالجبهة والتي تمثلت بهذا الفوز المحدود لمرشيحها الذين أفرزتهم ودفعت بهم الى الدوائر الانتخابية التي تنافسوا فيها مع سواهم.
انني أعتقد ان هذه الخسارة لم تشكل ربحا للحكومة كما حاولت الجبهة ان تصورها، وذلك ان فوز جميع مرشحي الجبهة فيما لو وقع لا يخل بموازين القوى في المجلس النيابي، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فان اختيار المرشحين كما يتم لم يحقق الهدف المنشود الذي اعتقدت الجبهة انها قادرة على الوصول اليه 0 كشرط لتحقيق الفوز - من خلال اختيار مرشحين ليسوا من الصقور وليسوا من الحمائم، رغم قناعتي ان صفوف الجبهة كانت دائما بعيدة عن افراز قيادات يمكن وصفها بالصقور. وعليه فانني أعتقد ان الفوز الذي تحقق لبعض مرشحي الجبهة لم يكن بسبب انتمائهم الفكري والسياسي ولكن بسبب تداخل عوامل كثيرة، ربما كان مثل هذا الانتماء عنصرا متواضعا من حزمة من العناصر المعقدة.
لقد لاحظنا جميعا منذ اللحظات الاولى للاستعداد للانتخابات الاخيرة، ان قيادة الجبهة، بما كانت توجهه للحكومة، كانت تمهد لفشل مرشحيها برغم قرار حكومي غير معلن بتزوير الانتخابات، وقد ظل هذا الزعم عنوان تحرك الجبهة حتى الانتهاء من عملية الفرز واعلان النتائج، ولا أعتقد ان قيادة الجبهة لم تكن تدرك التأثير النفسي للبدء ومواصلة ترويج قرار حكومي بالتزوير، ولعل اولى نتائج هذا الخطأ ان غالبية المواطنين توصلوا الى قناعة بأن الجبهة تخوض معركة مصيرية ضد الوطن وليس في مواجهة الحكومة، ومثل هذه القناعة تشكل بالنسبة للمواطن الاردني خوفا حقيقيا على أمنه واستقراره اللذين هما ثروته وسلاحه ودرعه ومبعث طمأنينته في منطقة لا يامن العربي ان يعود الى بيته فيما اذا غادره لأمر ما. فالأمن والاستقرار لدى الاردنيين خط أحمر لا يتسامح ازاءه مع أية مجموعة او حزب يمكن ان تهدده او تقترب منه، وهكذا كان الناخب الاردني يدلي بصوته لمصلحة أمن الوطن وأمنه في مواجهة من يحاول العبث بهذا الامن او تهديد الطمأنينة.
ان مسؤولية جبهة العمل الاسلامي ان تتداعى قياداتها لاجتماعات ومناقشات مكثفة، لا لمناقشة ما حدث وانما لمناقشة لماذا حدث؟ وهي مدعوة لبعض التواضع في تقدير حجمها وتأثيرها في المجتمع الاردني، وكذلك في وسائل حواراتها سواء مع النظام او مع القوى السياسية الاخرى، فقد كان واضحا ان الجبهة كانت تتعامل مع هذه القوى على انها تابعة لها وتحت (بنديرتها) ولذا شكلت سياساتها وبمثل هذا التعامل لدى القوى السياسية موقفا يقوم على ان الجبهة ليست مع الشورى وليست مع الجماعة، وان على الاخرين ان يضعوا خطواتها وتوجهاتها بين يدي الجبهة والا رفضت المشاركة في أي تنسيق او تحرك لا تبدأ خطونه الاولى بقرار منها ولا تنطلق الا بعد ان تستمع القوى والاحزاب الاردنية -على تواضعها- لصفارة الجبهة كي تتحرك وتنطلق.
تظل مسألة ارى من الضروري التوقف عندها على عجل، لان التحول في تفاصيلها امريدعو الى الدهشة والخجل، واعني التغطية التلفزيونية يوم الانتخابات، فاول ملحوظة يمكن لنا ان نسجلها ان تلفزيوننا الاردني يفتقد الى مذيعين ومذيعات قادرين على الحوار وعلى التغطية الشاملة والواعية للحدث، ولعل من يتابع تغطيات وحوارات قنوات عربية (العربية - المنار - الجزيرة - المستقبل - الشرق الاوسط - الجديد وسواها) تستوقفهم امور كثيرة لا يجيد مذيعو ومذيعات تلفزيوننا أياً منها، ولا بد هنا ان اشير الى ان المذيع والمذيعة اللذين كانا يتوليان التغطية وقعا في خطأ تصوير الانتخابات كمعركة كسر عظم بين الدولة وبين جبهة العمل الاسلامي، وكان التصوير على درجة من السذاجة تستوجب التساؤل: لماذا لا نثقف مذيعينا سياسيا؟ لماذا لا نعلمهم كيف يقرأون؟ وكيف يحاورون؟ وكيف يتجنبون الاخطاء الكبيرة؟ اريد ان اقول انني لم استطع ان امنع نفسي من الضحك والمذيع يعلن نتائج عملية الفرز في احدى الدوائر الانتخابية: الفائز الاول فلان وحصل على كذا صوت والفائز الثاني فلان وحصل على كذا صوت والفائز الثالث فلان وحصل على كذا صوت اما الفائز الرابع والاخير فهو فلان مرشح جبهة العمل الاسلامي الذي لم يحصل الا على كذا صوت وكان ترتيبه الاخير، وقد أعاد المذيع هذا القول اكثر من مرة، وكأن هذه الانتخابات هي التصفية الاولى بسباق 400 متر مثلا، حيث يتم اختيار الفائز الاول او الفائزين الاول والثاني لتصفية قادمة اما الثالث والرابع فيخرجان من المنافسة.
أمر آخر هو ان تلفزيوننا لا يستضيف اصحاب الرأي الاخر في ندواته وحواراته باعتبارهم اعداء للوطن وليسوا مواطنين لهم موقفهم المختلف، ولو كان الامر وقف عند هذا الحد لقلنا لا بأس، لكن الامر المؤسف ان تلفزيوننا لا يستضيف اصحاب الرأي، اذ ان غالبية من يدعوهم يكونون موظفين حكوميين يتجنبون ان يقولوا شيئا مهما ومفيدا هذا اذا كانوا قادرين على ان يقولوا قولا مهما ومفيدا، فلا يشعر المشاهد بفرق بين رئيس جامعة بدرجة بروفيسور وموظف مالية او مسؤول ورشة عمالية، ولهذا افسدت تلك التغطية سهرتنا وكان اصرار مراسلي التلفزيون في المحافظات على دعوة المحافظين لاعلان النتائج واصرار بعض المحافظين على التمهيد لهذا الاعلان بخطاب موجه للحكومة ولوزير الداخلية قد زاد من فساد سهرتنا تلك.
K mahadin@hotmail.com