الحكم على الذهبي .. دلالات وملاحظات
فهد الخيطان
12-11-2012 04:15 AM
الحكم بسجن مدير المخابرات العامة الأسبق، محمد الذهبي، 13 سنة "قابل للاستئناف"، وتغريمه 21 مليون دينار، ومصادرة أملاكه المقدرة بـ24 مليون دينار، هو الأول من نوعه الذي يصدر في قضايا الفساد التي أثيرت في مرحلة الربيع العربي، وهو الأعلى بين الأحكام التي صدرت في قضايا مشابهة خلال السنوات الماضية.
ولا تتوقف ميزات الحكم عند هذا الحد؛ فهو من بين قضايا الفساد النادرة التي تقتصر الاتهامات فيها على شخص واحد.يبعث قرار الحكم برسالة مفادها أن الدولة جادة في محاكمة المتورطين في قضايا فساد، مهما علت مناصبهم وبلغ نفوذهم. وما من شك في أن الذهبي كان، لسنوات مضت، من أكثر رجال الحكم سلطة وتأثيرا في صناعة القرار الأمني والسياسي.لكن محاكمة شخصية بوزن الذهبي يعطي دفعة قوية للقوى الشعبية والسياسية المطالبة بتقديم شخصيات سياسية أخرى إلى القضاء، ومحاكمتها بشأن ما يدور حولها من شبهات فساد تقدر بمئات الملايين، وتحريك قضايا جرى التحقيق فيها من طرف هيئة مكافحة الفساد وما تزال تراوح مكانها، لا بل إن النية تتجه إلى إغلاق بعض ملفاتها كما تردد مؤخرا.
بخلاف ذلك، فإن الرأي العام سيبقى على قناعته بأن مكافحة الفساد تخضع للانتقائية والحسابات السياسية، وليس للمعايير القانونية؛ خاصة وأن مجلس النواب المنحل أخذ على عاتقه طي ملفات ثقيلة تطال شخصيات من الصف الأول، وعمد إلى تجاهل ملفات أخرى كان الفساد فيها واضحا وضوح الشمس.
صدور حكم قضائي يتضمن مصادرة أموال وأملاك تصل قيمتها إلى 45 مليون دينار، يحمل في طياته استجابة لدعوات المعارضة باستعادة "الأموال المنهوبة". وستسعى الحكومة إلى توظيف القرار القضائي لتأكيد جديتها في البحث، بكل الوسائل المتاحة، لاستعادة أموال الخزينة، وذلك لتبرير خطوتها الوشيكة بإلغاء الدعم عن المشتقات النفطية.لكن في اعتقاد الكثيرين سيكون تأثير قرار الحكم محدودا لهذه الناحية، ولن يعدل كثيرا في مزاج الرأي العام الذي يطمح إلى خطوات أوسع في مجال مكافحة الفساد وضبط الهدر في الموارد، قبل أن يتقبل التضحية بدخله المحدود.ولقرار الحكم على الذهبي تداعيات على المؤسسة الأمنية التي كان يترأسها قبل أربع سنوات، وأعني جهاز المخابرات العامة.
فالذهبي هو ثاني مدير مخابرات يخضع للمحاكمة والإدانة خلال السنوات العشر الأخيرة. وفي البال أيضا شبهات الفساد التي لاحقت مسؤولين رفيعي المستوى في الجهاز.يمكن القول إن مثل تلك المحاكمات تعكس قوة الجهاز الذي يحظى دوره الأمني بتقدير الأردنيين، والأهم من ذلك ثقته بنفسه وقدرته على تصويب أوضاعه، حتى لو تطلب الأمر تقديم رأس الجهاز إلى المحاكمة كما حصل مؤخرا.
لكن مجريات المحاكمة والتفاصيل التي كشفتها شهادات الشهود في قضية الذهبي والقضية السابقة، تؤكد الحاجة إلى تطوير وسائل مراقبة ومساءلة مؤسسية وشفافة، وتدعم الدعوات المخلصة لإخضاع جميع مؤسسات الدولة لرقابة السلطة التشريعية. وهي من جانب آخر، تستدعي إعادة تعريف دور المؤسسات الأمنية، بحيث لا تتغول على الحكومات وسلطتها الدستورية.إن المعلومات التي أدلى بها المتهم وشهود النيابية في القضية خلال جلسات المحاكمة، تظهر مدى السلطة المطلقة التي كان يتمتع بها المسؤول الأول في ذلك الوقت، بما يتيح له تجاوز القانون دون أن يخشى مساءلة قانونية أو إدارية.نأمل أن تكون هذه الحقبة قد طويت بهذه المحاكمة، وأن تفتح المحاكم صفحات جديدة لملفات فساد لن يطويها الشعب أبدا.
الغد