يثير الحكم الصادر على مدير المخابرات السابق محمد الذهبي مسألتين . الاولى - اهمية العمل على استرداد الاموال المنهوبة ، و بان الامر ليس مجرد شعار يرفع بعد ان أثبت القضاء بانه مؤهل لذلك . المسألة الثانية :- اهمية وضع تشريع في المرحلة المقبلة ، ينص على ان تعود الهدايا والمنح والمكافآت العينية والمادية التي يحصل عليها المسؤول من اي جهة عربية او أجنبية الى الدولة ، وان تحفظ ( ان كانت ذات طابع تذكاري ) في قسم خاص بالبنك المركزي او في اي مكان رسمي اخر يتم تحديده .
لقد ثبت بان اي اجراء ضد الفساد والفاسدين لا قيمة له عند الرأي العام اذا لم يؤد الى استرداد الاموال المنهوبة ، وتغريم من تسبب في إهدار اموال عامة لمصالحه الشخصية . لقد أظهرت العديد من الملفات التي أثيرت حول الفساد خلال العامين الماضيين . بان ممارسة الفساد كانت تتم تحت تغطية كاملة من أنظمة وإجراءات ، بحيث تبدو وكانها شرعية لا لبس فيها . ولانه لا نار بدون دخان ، فقد لجأت دول عديدة الى سن تشريعات تسد النقص في القدرة على محاسبة الفاسدين مثل قانون من اين لك هذا .
لقد سبق للدكتور رجائي المعشر في مقالة منشورة له هذا العام ان دعا الى تشكيل لجنة قانونية لدراسة ملفات الفساد والبحث عن الأدلة قبل تقديمها الى القضاء ، وفي حكومة البخيت تم تشكيل لجنة من المستشارين القانونيين لمعاونته في الحكم على الملفات قبل تحويلها الى هيئة مكافحة الفساد . وفي الرأي القانوني ان مهمة توفير الأدلة ليست منوطة بالمحكمة انما في لجان التحقيق والادعاء العام ، فالقاضي يحكم بناء على ما بين يديه من أدلة ، وليس وفق ما يجري تداوله من اتهامات واشاعات في أوساط المجتمع .
ومن متابعتي لما يجري في مصر في قضية استرداد الاموال المنهوبة (تم استرجاع ١١ مليارا منها حتى الان) فلقد ظهرت فجوة في القوانين المصرية تمنح الفاسدين الغطاء للافلات من المحاسبة ، وهو ما دفع الحكومة الى العمل على اصدار قرارات ووضع تشريعات جديدة تسد الثغرات في هذا المضمار ، مثل تشكيل نيابات متخصصة في استرداد الاموال المنهوبة وإصدار قانون لحماية المبلغين والشهود . وكل هذا يدل ان عملية ملاحقة الفساد واسترداد الاموال ومحاسبة من تسبب بهدرها تحتاج الى حلول مبتكرة وقرارات وقوانين غير عادية للتصدي لوضع شاذ ، يلخصه القول الشعبي المتداول « هناك فساد لكن لايوجد فاسدون» .
لقد حمل الربيع العربي أفكارا ومطالب كانت الشعوب العربية تعتقد انه من المستحيل تطبيقها في بلادهم ، مثل مسألة منع المسؤولين من الاحتفاظ بالهدايا التي يحصلون عليها وهم في مناصبهم ، هذا الامر تم وضعه بندا في مسودة الدستور المصري الجديد ، والحقيقة انه يشكل معيارا حقيقيا وصادقا للعدالة قابل للتعميم في اي بلد عربي . مثلما ان استرداد الاموال المنهوبة اصبحت قضية جوهرية من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز ثقة المواطن بمن اؤتمن من المسؤولين على المال العام وعلى إدارة شؤون المجتمع .
الرأي