مع أن خيبة الأمل لا تصنع سياسة، لكن المتابع للحياة السياسية في الأردن يشعر بخيبة أمل من كل شيء، فالأداء الحكومي مرتبك وفاقد للبوصلة الحقيقية، ولا يدري المرء إلى أين تسير الأمور، الكل في حالة انتظار وترقب، والكل يضع يده على قلبه من مقبل الأيام، وهناك شعور عام ان الانفجار قادم لا محالة، لكنها مسألة وقت.
فالجولات التي تسمى حوارية ما بين رئيس الحكومة والفعاليات هي جولات استعراض لا تنتج شيئا، فالقرار الحكومي في رفع الاسعار متخذ، ونسب الدعم معروفة لصناع القرار، لكنها الديماغوجية الرسمية التي تعودنا عليها في السنوات الاخيرة، والتي تحاول ان لا تكذب لكنها تتجمل.
النسور يقول "ان التوجه الراجح حاليا هو التعويض لكافة المواطنين الغني والفقير دون استثناء بدفع 70 – 100 دينار سنويا للفرد". فما الفائدة اذا تم منح الاغنياء دعما مثل الفقراء، إلا اذا كان النسور لا يجد فوارق حقيقية بين الاغنياء والفقراء، وان الجميع بحاجة الى الدعم.
في اليومين المقبلين، وقبل الاربعاء، الموعد المتوقع لاقرار الرفع، سوف تبقى البورصة مفتوحة في الارقام، فهي قد هبطت من 230 دينارا للفرد في بداية الحديث عن رفع الاسعار الى 70 دينار، في تصريحات النسور الخميس، وهي في اتجاه الهبوط كلما شعر الرئيس بالارتياح اكثر.
من خلال التدقيق في الحوارات التي يجريها النسور مع الفعاليات، تظهر عليه الراحة والهدوء، وهذا الامر من المفروض ان يكون على عكس الطبيعي، فالرئيس الذي يريد ان يرفع الاسعار، وبالنسب التي تتسرب حاليا، يفترض ان لا يكون امامه سوى تداعيات هبة نيسان عندما اطاحت بخصمه التاريخي زيد الرفاعي، بحيث يستحضر بالتفاصيل ما حدث معه، وكيف تمت تنحيته بموقف شعبي موحد، لا احد كان يتوقع أن تقوم له بعدها قائمة، لكنها السياسة الرسمية الاردنية، التي لا تنظر ابدا خارج العلبة التي تعرفها، وتعيد الحياة لأشخاص سقطوا شعبيا، لا بل وتديمها في الابناء والاحفاد.
خيبة الامل في اداء الرئيس ومواقفه، ليست اقل صدمة من خيبة الامل الاخرى في أداء الحراك الشعبي، الذي كان متوقعا ان يزداد عنفوانا وتوسعا منذ الحديث عن رفع الاسعار، لكن ما حدث هو العكس تماما، فمنذ مسيرة جماعة الاخوان المسلمين في 5 تشرين الاول الماضي، لم يشهد الحراك، وخاصة في العاصمة عمان اي نشاط سياسي (محرز) يعلن رفضه لهذه القرارات، غير النشاطات التي تشهدها المحافظات وهي من دون زخم جماهيري في بعض الاحيان، لكنها تحمل شعارات تحذيرية واضحة، وامس كانت اكثر وضوحا، عندما حذرت من "ثورة المحروقات" بعد "ثورة الخبز".
ما بين العام 1989، والعام الحالي اوجه تشابه كثيرة، ففي العام 1989 كانت مصيبتنا في الدينار حيث وصلت الى حد لا يمكن تداركه، والآن مصيبتنا في الموازنة العامة للدولة لا يمكن تداركها سوى برفع الاسعار، وما بين الزمنين متشابهات كثيرة، وشخصيات متناقضة، ومواقف لعينة، ففي السابق جماعة الاخوان المسلمين خذلت هبة نيسان، ولم تشارك فيها، والخوف ان ينسحب هذا الموقف على هذه الايام، ولهذا نريد توضيحا عن اسباب التراجع والتراخي الحالي من قبل الجماعة عن المساهمة في الحراك.
osama.rantesi@alarabalyawm.net
العرب اليوم