اذا كانت كثرة السلام تقلل المعرفة كما يقول المثل الشعبي , فإن كثرة التصريحات تقلل الثقة , وبالتزامن فإن اطراف العملية السياسية في الاردن يطلقون التصريحات دون وصفة سياسية او منهج عملي , فالجميع يتحدث عن كل شيء دون تركيز في امر واحد سواء من المعارضة او الحكومة .
الحكومة تتحدث عن الانتخابات القادمة بوصفها العصا السحرية التي ستعيد البهاء الى كل مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
ولا يمر يوم دون وجود تصريحات مضادة من قوى المعارضة ، وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والدولية والاقليمية , دون خشية مراقبة الناس لحجم التناقض الموجود داخل التصريحات , فأطراف المعادلة السياسية يطلقون نيران تصريحاتهم في كل الاتجاهات , ولا يخشون نيران الطرف الآخر وكذلك النيران الصديقة .
الفرص كلها متاحة لدخول تيار ثالث على الخط , بل تساهم الحكومة والمعارضة في توفير الاجواء المناسبة لانطلاقته القوية في الانتخابات القادمة , وتوفر على الطريق الثالث كلفة وجهدا ومرحلة اختبار قد تطول لو كان الظرف طبيعيا , فقد انشغل الطرفان في متابعة الآخر , وتركا المجال نافذا لمخاطبة الشارع ببرامج واعية .
مزاج الشارع الاردني يميل نسبيا نحو الجديد , او للدقة غير المجرب , اسوة بمعظم الشوارع العربية , التي منحت اصواتها للجديد وغير المجرب , كما حدث مع الشارع المصري والشارع التونسي , فهو منح اصواته للجديد وغير المجرب ولم يمنح اصواته للقوى الاسلامية بالمعنى السياسي , وهذا هو نفس السبب تقريبا في فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية السابقة .
الضلع الثالث مطلوب بقوة من الشارع الشعبي , ويمتلك فرصة ذهبية في ظل تنامي حالة الشك في القديم السياسي سواء المعارض او الحكومي , فالمعارضة صورة عن الحكومات بحكم التناوب والتنابز , فأنت تقوم بنقد برنامج قائم وليس حالة فراغية , وإذا كان البرنامج قد اوصل البلاد الى ازمة فهذا ليس مسؤولية الحكومات فقط بل ومسؤولية المعارضة التي شاركت في الصمت احيانا او في الهروب من تحمل المسؤولية , وهذا ما حدث مع المعارضة الاردنية , فهي هربت في زمن المشاركة وشاركت في زمن التزوير او التسويات الثنائية .
فثمة توافقات قامت بها المعارضة مع الحكومات , وثمة تواطؤ شاب فترة التشاركية , ومجمل هذه المعادلة اوصل البلد الى المرحلة الحرجة , فالمديونية ليست وليدة اللحظة بل وليدة سنوات من الترهل , والفساد لم يحدث اليوم بل تراكم عبر سنوات , تقاسمت فيه الاوساط الحكومية واوساط المعارضة الكعكة , فرجالات الحكومة تفردّوا بالقطاع العام والمعارضة انفردت لوحدها بالاقتصاد الاجتماعي والموازي , فكانت الجمعيات تقوم بغير دورها او استثمار الحاجة الشعبية سياسيا ورجالات الحكومة يستثمرون الوظيفة سياسيا ايضا , التعيينات الجهوية والاقاربية نموذج آخر .
حالة الترقب الحالي لولادة الضلع الثالث ليست حاجة ترفيه بل حاجة موضوعية , فرضتها اللحظة السياسية الراهنة والتراكمات القبلية , وعلى شباب الحراك العاقل والوطني ان يلتقط اللحظة وعلى الساسة الذين غابوا بفعل الثنائية المتكلسة ان يبادروا الى تقديم اوراق اعتمادهم للشارع الذي ينتظر سياسيين جددا ويملكون برامج صادقة وصادرة من نبض الشارع وليس من غرف ومكاتب .
omarkallab@yahoo.com
الدستور