وسط البلد،قلب عمان،وحكايته الشعبية،ووجوه الناس تروي لك حكايات عمان الجميلة،عمان التي لا تشيخ،وعلى وجهها وشم خضر يحكي لك ايضا حكايات تبدأ من زمن الفرسان مرورا بتجار دمشق وثوارها ذات زمن فرنسي ثم نابلس والخليل واهلهما،وشركس المهاجرين الافذاذ،وصولا الى مدينة اكتملت مثل قمر في يومه الرابع عشر.
تتجول في وسط البلد،مشيا،وقد تبدأ جولتك من العبدلي وصولا الى مطعم هاشم وشهرزاد الشهير في زقاقه،وعبر الطريق ترى الابنية القديمة التي تمتاز بعمارتها المعمرة،عمارة رائعة،تتذكر من وقفوا في هذه الشرفات،ذات يوم،والايدي التي طوعت الحجر،ومن هناك الى باعة الكتب والمجلات،مكتبة الطليعة وكشك ابوعلي،والنخل الممتد على طول الشارع قبالة البنك العربي.
كان هذا الشارع موقفا للسيارات قبل عقود،وفي الصور القديمة،ترى السيارات وقد وقفت طوليا،تحت نخل يعيش في مدينة باردة،لتذهب السيارات الى وجهتها،الاف الوجوه مرت من هنا،وعمان لم تكن مدينة لعابري السبيل،وهي ليست حبيبة ليوم واحد فقط،هي حبيية طاهرة لكل واحد،وذكرى خاصة تفيض على القلب بين وقت واخر.
عند ساحة المسجد الحسيني تتذكر حكايات الذين كانوا يذهبون الى القدس عبر ركوب سيارات الاجرة على مقربة من المسجد،وتقول في نفسك الطريق الى المسجد الاقصى،كانت تبدأ من المسجد الحسيني،واذ تقف عند المسجد تتنفس انفاس من سافروا الى القدس من هنا،وراكب الحافلة كان يحتاج الى ساعة للوصول الى باب العامود، وساعة الا ربعا من اجل الوصول الى قبلة الله ذات يوم.
تترك باعة المسابح وخواتم العقيق،في ساحة المسجد،وتدلف الى ذات المسجد،وخلفك ذكرى لمصوري عمان في ذات الساحة،بكاميراتهم الثقيلة،التي كانت تلتقط الصور بالابيض والاسود،وفي المسجد تحزن،فلماذا يتم اهماله بهذه الطريقة،وهو بحاجة لتغيير بلاطه وسجاده وتوسعته واعماره،وتنظيف واجهته الحجرية،ورفع كآبة الزمن عن البناء،ورد الروح اليه،فهو الركن اليماني لعمان،وفيه الاف الحكايات للمارين والتجار والمصلين،وقلبه ينبض لكنه يشكو من هجر القادرين على اعماره،ويتهمهم ايضا بالخذلان،ويكاد ان يعلن ان سر عمان حصرا في هذا المسجد؟!.
مابين سوق السكر،ومقهى السنترال الذي فقد شرفته الكبيرة التي كنا نهرب اليها ونحن طلبة صحافة في يرموك اربد الحسناء،لنقرأ صحيفة او مجلة،او نلتقي بشاعر متشرد،او رسام بلا مرسم،او لنميمة عاجلة او مؤامرة بريئة،تقول لك الذكريات ان الدنيا تغيرت،واذ تستدعي الذكريات تكتشف ان عينك تغيرت،فاللافت قبل عشرين عاما لم يعد لافتا هذه الايام،واحلامك التي سطرتها على طاولتك في مقهى السنترال مع القهوة المرة والسيجارة الرخيصة،لم تبق احلاما،تحقق بعضها،وتبدد الاخر بفعل الخبرة او الفشل في حالات.
يأخذك وسط البلد تارة الى الشابسوغ حيث بصمات الشركس لاتزول عن عمان،وتارة الى سقف السيل وتستذكر الاسواق القديمة والناس التي كانت تجتمع هنا من بلقاء الاردن وشماله،وعشائر عمان الكريمة،مرورا بمن قدموا من الخليل ونابلس،وصولا الى رغدان حيث تأسست حكاية بلد بأكلمه في هذا العصر،على صهوات الجياد التي صهلت فوق تلك الربوة المباركة،وقالت ان ناصيتها فيها خير عظيم.
تحدق بعينين مفتوحتين على ما لدى الافغاني في وسط البلد،من تحف واحجار كريمة وجماليات فاتنة،وتكاد ان تقول للاحجار الكريمة ان هناك من ينافسها،اذ ان عمان كلها حجر كريم من الفيروز او الياقوت،مبارك،يكسر بصلابته كل من يحاول كسره،ولايفقد خصائصه مهما تم السعي لحرقه او طحنه او ذره في الفضاء،هي عمان التي تكتسب من سر الارض المقدسة،حصانتها،وتخيب الايدي التي تخطط لوأدها بسر الصالحين فيها واللائذين بستارتها،والفقراء والايتام والمساكين،بسر من خاطبوها قائلين..انت أمنا ،وحبلك السري مازال اخضر حيا.
تغادر وسط البلد،عائدا الى اطراف المدينة،وتدمع عيناك،على وطن آمن من فيه،وحمى من فيه،واعطى من فيه،وكان حضنا لكل من فيه،تدمع عيناك اذ ترى الدنيا من حولنا تحترق،وترى اوضاعنا صعبة،فلا تقول الا ربنا الطف بهذا البلد،وبأهله،وبعمان درة الاردن،وناصيتنا المباركة،من شرقنا الى غربنا،ومن شمالنا الى جنوبنا.
الدستور