حين يحط النسر جناحيه في حفرة الكباريتي
المحامي محمد الصبيحي
07-11-2012 01:50 PM
عمون - يوم السبت الماضي قال رئيس الوزراء في لقاء مع الكتاب الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف حول التوجه لرفع الدعم ما يلي حسب خبر بثته بترا (أكد الدكتور النسور أن الحكومة لن تقوم باتخاذ أي قرار مفاجىء الا بعد التشاور والتوصل الى قبول عام بشأنه).
وبعد ثمان وأربعين ساعة أعلن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية نتائج استطلاع بأن قرار رفع الدعم عن السلع الاساسية حظي بقبول 50% من الاردنيين .
بقي على رئيس الوزراء إقناع 1% فقط من الاردنيين ليحصل على التوجه العام وهذه مسألة بسيطة فاذا ما عاد دولته الى قاعدته الانتخابية في السلط فسيحظى دون شك بالواحد بالمائة وهكذا يثبت دولته للتاريخ أن الاردنيين (راسهم لين) وعلى مبدأ (لاقيني ولا تغديني) فان الحوارات والمجاملات لتسويق قرارات متخذة وراء الستار ستحقق نتائج جيدة ستدفع بالاغلبية الصامتة الى الهتاف في الشوارع (عاشت الحكومة التي تحلق عاليا في السماء).
يصدق في وصف هذه الحكومة أحد أمرين فاما أنها تحلق عاليا بالفعل وبالتالي لن تنزل الى أرض المعدمين ولا ترى الفقراء الا خيالات مصغرة كراكب الطائرة الذي يرى الشاحنة نملة من (عل) واما أنها مثل (المغني في الطاحونة) والدليل على ما أقول ما يلي:
ما زالت الحكومة تعتقد أن رؤساء تحرير الصحف وكتاب الاعمدة وخاصة (الاقتصاديين) يؤثرون في الرأي العام فاذا ما وقفوا مع الحكومة سيتبعهم الشعب، ويتناسى رئيس الحكومة تساؤلات الناس: أين كان جهابذة الاعمدة الاقتصادية قبل (خراب مالطا)؟! كيف لم يحركوا الشارع ضد السياسات الاقتصادية الفاشلة؟؟, في الحقيقة أنا متأكد أن رئيسنا ذكي جدا ويعرف أن صحفنا وكتابها ليس لديهم تأثير في الشارع اذا ما أيدوا الحكومة، وانما التقى بهم من باب التماس الوقوف على الحياد.
وتجري الحكومة الان سلسلة لقاءات في دار رئاسة الوزراء مع كل من : الامناء العامين للأحزاب السياسية ورؤساء النقابات المهنية ورئيس الاتحاد العام لنقابات العمال (اسم كبير وفعل قليل) وأعضاء غرفة تجارة الاردن وغرفة تجارة عمان، تماما كما كانت حكومات سابقة تفعل لتقنعنا أن هؤلاء – مع احترامنا لهم – يمثلون الشعب الاردني الفقير المستنزف.
هذا الحال يعني أن الحكومة بالفعل (تغني في الطاحونة) وتنام ليلها الطويل معتمدة على نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية وعلى حوارات مع فئات كانت عاجزة عن وقف المأساة في بدايتها وما زالت عاجزة عن التأثير في القرارات الحكومية، وينطلي عليها أن الحكومات تحاورها في كل مرة ليس الا من أجل إحضارها كشاهد زور على وجود حوار وطني.
وعنونت صحف اليوم الاربعاء (النسور: تعويض فوري للمواطنين حال رفع الدعم عن المشتقات النفطية) فالتبس عليّ الامر : من الذي أنطق عبد الكريم الكباريتي بعد صمت؟! (الدفع قبل الرفع) أطلقها الكباريتي قبل رفع سعر الخبز فصارت أول نكتة عربية تحمل براءة اختراع باسم رئيس وزراء!! نسيناها وقلنا الحمد لله أن شعبنا نسي تلك النكتة القبيحة فقد استمر الدفع لأقل من عام واحد حينها ثم تنصلت الحكومة من الدفع وبقي الرفع الى يومنا هذا؟؟ وما زال المرفوع مرفوعا مجانا أما الدفع فقد تحول الى نهب لمقدرات الشعب صبت في جيوب لوبيات الفساد الاقتصادي وسماسرة السياسات الاقتصادية العميلة.
النسور حط جناحيه الان في حفرة الكباريتي والفرق الوحيد بينهما أن الكباريتي قرر أن (الدفع قبل الرفع ) أما النسور فقرر أن يكون (الدفع فوري) أي أن الدفع والرفع معا في وقت واحد، أما من سيتنصل من الدفع العام القادم؟؟ ليس مهما!! ذاكرة الاردنيين ضعيفة وسيكون هناك رئيس وزراء آخر يقول (حاسبوني على قراراتي وليس على أخطاء من سبقوني) وهكذا يتفرق جوع الفقير و(دم قلبه) بين جمهرة الوزراء العاملين والمتقاعدين والموزعين على مجالس أدارة الشركات .
سيدي رئيس الوزراء تذكر جيدا أن حملتك الانتخابية الاولى في السلط قامت على أساس انك من أبناء الفلاحين وأن قوى الفساد والمشيخات القديمة تحاربك على هذا الاساس وتلك أقوالك حينها، لذا أنصحك ان تتجنب مفردات الدفع والابتعاد عن حفرة الكباريتي العتيقة فقد ردمها الزمن.
"أعتذر للقراء عن عدم قبول التعليقات"