أما وقد أظهر تقرير هيئة مكافحة الفساد حول التعيينات الأخيرة في أمانة عمان (2011-2012) الحجم الهائل للفساد والواسطات والمحسوبيات والذي صنعه تحالف نيابي-حكومي مع أمانة عمان فقد أصبح السبب واضحا وراء عدم قدرة الأمانة على إيجاد الموارد المالية الكافية لصيانة كابسات القمامة ما جعل المخلفات تتراكم في شوارع المدينة التي كانت دائما تفاخر بكونها الأنظف عربيا في عهد كافة الأمناء السابقين، مهما كانت علامات الاستفهام المثارة على أدائهم!
جيوب المواطنين في عمان والمثقلة بالضرائب والخدمات المقدمة للأمانة اصبحت المصدر الرئيس لثالوث مقدس من الفساد من مجلس النواب (الضغط باتجاه تعيين محاسيب وأقارب النواب إلى درجة تهديد مديري الأمانة) والحكومات (غض النظر عن الفساد وربما تشجيعه ايضا) وأمانة عمان (تنفيذ ما يطلب منها).
في الوقت الذي كان فيه الرأي العام مشغولا بقضية الباص السريع التي تمت المبالغة في تصوير نتائجها علما بأنها لم تكلف الأمانة قرشا واحدا بل كانت دعما من الوكالة الفرنسية للتنمية، وبينما كان رئيس لجنة الأمانة يطيح بمديرين وموظفين محسوبين على الأمين السابق في سلوك انتقامي واضح، كانت الأمانة توفر 1400 وظيفة من العدم لخدمة النواب وشراء سكوتهم تحت القبة.
اي بشاعة أكبر من هذه عندما يتحول من يفترض أن يكونوا ممثلين للشعب وعينا على مصالحه إلى الأداة الرئيسة في ممارسة الفساد واستنزاف الموارد المخصصة لخدمة المواطنين؟!
بما أننا في موسم انتخابي من الضروري أن يتم نشر كافة التفاصيل في هذه القضية وبالأسماء حتى يعرف الناخبون من يهم النواب الذين خانوا الثقة ومارسوا الفساد، حتى نرى ماذا سيكون حكم الرأي العام عليهم، فهل سيعيدهم مرة أخرى للقبة ليمارسوا الفساد من جهة (وبالتالي يصبح الناخبون جزءا من المسرحية) أو يتم إنهاء حياتهم النيابية إلى الأبد كما يفترض أن يحدث؟!
للأسف لم تعد قضية الفساد في الأردن مرتبطة فقط بحجم الاموال المنهوبة بل في مدى انتشار هذه “الثقافة” وكأنها اصبحت هي القاعدة وليس الاستثناء، بل ان المسؤول الذي يرفض الواسطة بات يشعر بـ”المعايرة” من مجتمعه وبأنه ليس قويا كفاية ليمارس الواسطات، أما النائب الذي يتعفف عن تلك الممارسات المشينة فأصبح من شبه المستحيل إعادة انتخابه لأنه “لا يفيه أهله” وبالطبع “من ليس فيه خير لأهله ليس فيه خير لبقية الناس” بحسب المثل الشائع والثقافة السائدة.
الفساد هو مثل قوانين الطاقة الفيزيائية حيث لا يفنى ولا يستحدث بل هو سرمدي الوجود يتحول من حالة إلى أخرى وربما أن أكبر من يعارض الفساد نظريا يتحول إلى فاسد عند حصوله على مصادر وأدوات تتيح له الفساد، وما يحدث في كثير من الحالات هو استبدال فساد عشائري بفساد ليبرالي ثم بفساد عشائري من جهة أخرى وهكذا تستمر العملية.
أمانة عمان هي من المكتسبات الرئيسة في هذا البلد. ربما اختلفنا مثيرا حول أداء عبد الرؤوف الروابدة وعلي السحيمات ومحمد البشير وممدوح العبادي ونضال الحديد وحتى عمر المعاني ولكن في كافة هذه الأوقات كانت الأمانة تقوم بدورها الرئيس بخدمة المواطنين وإبقاء العاصمة جميلة ونظيفة.
الآن وصلنا إلى المنحدر الأشد خطورة ولا بد من إعادة النظر بكل دور وأداء أمانة عمان إلى درجة تصل إلى انتخاب الأمين مباشرة دون أن يتم تعيينه من الحكومة، وبالتالي تكون مرجعية الأمين هي مواطنو عمان وليس رئيس الحكومة ولا الوزراء ولا النواب الذين يمارسون ضغوطا لتسهيل الفساد، بينما تبح حناجرهم بانتقاده تحت القبة!
batirw@yahoo.com
الدستور