الجوع لا يفرق بين موال ومعارض
لميس اندوني
06-11-2012 02:54 AM
يركز رئيس الوزراء الدكتور عبد الله نسور على الإعلام و الإعلاميين، في محاولة لإقناع الرأي العام بضرورة رفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات، لكن إذا كانت محاولاته لم تنجح في جعل معظم الكتاب يؤيدون توجهه الاقتصادي ، فما باله بالمواطن الذي سيدفع من مورده المعيشي وقدرته على إعالة أولاده؟
ردة الفعل على رفع الأسعار، لا تخضع لحسابات أيديولوجية، أو فكرية لدى الفئات الشعبية، فالمساس برغيف الخبز لا يفرق بين يساري ويميني ، ولا بين إسلامي وعلماني، أو بين معارض وموال، عند غير المقتدر أو الفقير، فالجوع والبرد لا يرحمان ولا يميزان بين الاتجاهات السياسية والاختلافات العقائدية.
في النهاية لا يهم حتى لو استطاع الرئيس إقناع كل الكتاب، وحتى كل قيادات المعارضة بجميع أطيافها، على صحة قرار رفع الأسعار، فعند الجد لن ينتظر الإنسان الموجوع قرارا حزبيا أو حراكيا، للنزول إلى الشارع، بل سيدفعه إلى ذلك إحساسه بأن وجوده مهدد، وأن لا مستقبل لعائلته، فماذا سيبقى له إذاً؟
يجب أن تتذكر الجهات الرسمية أن هبة نيسان في عام 1989 لم تنفجر وفقاً لقرار حزبي، وأن انتفاضة الخبز في عام 1996 لم تنتظر بيانا من المعارضة، وأن الكثير ممن شاركوا كانوا يعتبرون أنفسهم من الموالاة، ولم يخطر في بالهم يوماً التمرد وبعضهم لم يقرأ في حياته منشوراً حزبياً، ولم يدرس الثورات هذا إذا التفت إليها يوما ولو للحظة.
فتاريخ الثورات لا تصنعه القيادات المناضلة والمؤدلجة وحدها، فمن دون ثورة غضب المعاناة والحرمان لم تكن الثورات لتحدث، فالجوع ينهش الجسد، والظلم يلهب الروح فيشعلها.
لا أحد ينكر أن هناك أزمة اقتصادية، ولا أن خيارات الأردن صعبة، ولكن الإصرار، خاصة منذ بدء الحراك، على تجاهل المطالب الشعبية والأهم على عدم التفكير بمراجعة السياسات وإيجاد بدائل، بل بالعكس الإمعان في اتباع النهج نفسه، وبعد ذلك مناشدة الناس، وبالأخص الفئات الشعبية ، بقبول دفع الثمن من معيشتهم غير منطقي وغير مقبول.
هناك أكثر من مشكلة في العقلية الرسمية، إحداها أن الفئات المتنفذة المسيطرة على صنع والتأثير في القرار، لا تأبه إلا بالحفاظ على مصالحها، وتعتمد في تمريرها على القمع ومصادرة الإرادات، وتعتقد أن نجاح الانتخابات النيابية، إذا نجحت، ستعطي الشرعية لرفع الأسعار وإجراءات التفقير والإفقار، عدا عن أن عقلية صناع القرار حبيسة لمفاهيم اقتصادية، وذلك أيضا مرتبط بالمصالح الطبقية،لا ترى إلا في نموذج وصفات البنك وصندوق النقد الدولي الإجابات والحلول، متجاهلة تاريخ الاضطرابات الشعبية والاحتجاجات التي تبعت ما تسمه هذه المؤسسات ، "إجراءات التقشف"، في كل مكان حلت فيها.
صحيح أن هذه السياسات والقرارات، اتخذت قبل مجيء الحكومة الحالية، فلماذا يصر الدكتور النسور أن يكون أهم إنجازاته تمرير هذا القرار الخطير؟ هل يعتقد أن ذلك يؤهله لأن يقود حكومة ما بعد الانتخابات؟ أم أنه أقنع نفسه أنه ينقذ البلد من محنتها الاقتصادية؟
المشاورات التي تُجرى، أيها الرئيس، لا يمكن اعتبارها في إطار المشاركة في صنع القرار أو إيجاد الحلول، بل في إطار فرض قرارات محسومة، وكأن ذلك يؤدي إلى قبولها، والأهم إلى تقبل تبعاتها القاسية على حياة فئات واسعة من الناس.
أقول للرئيس، بل وأدعوه، إن كان بمقدوره، إقناع أم أردنية مكافحة واحدة، على أن يكون صريحاً معها، بأن عليها أن ترحب بشظف العيش باسم إنقاذ الاقتصاد الوطني، وكأنها هي من صنعت السياسات، وراكمت الأخطاء والخطايا وجنت الملايين من إهدار مقدرات الوطن وحقوق المواطن.
العرب اليوم