ألا فلترتعد الطبقات السائدة خوفاً من الثورة الشيوعية، فليس للبروليتاريين ما يفقدونه سوى أغلالهم، وأمامهم عالم يكسبونه.
بمثل هذه الدونكيشوتية ينهي كارل ماركس وصديقه فردريك انجلز بيانهما الشيوعي الذي كتباه معاً ما بين كانون الاول عام 1847م وكانون الثاني 1848م.وكان البيان الشيوعي قد قرر أنه لا سبيل الى بلوغ أهداف الشيوعيين إلا باسقاط النظام المجتمعي القائم بالعنف.
ومن يتأمل الفصل الثالث من البيان، يرَ إلى استهانته باولئك الاشتراكيين النقديين الطوباويين الذين يتمتعون بحذلقة منهجية (وباعتقاد خرافي متعصب بالمفعول العجائبي لعلمهم المجتمعي).
ونحن نعتقد أن هؤلاء الطوباويين أصحاب الحذلقة المنهجية (بمعنى ما وبقدر محدود) هم في الغالب برجوازيون راديكاليون؛ أي أنهم برجوازيون في انتمائهم الاجتماعي، حريصون على مواقعهم ومكتسابتهم، ولكنهم في الوقت نفسه راديكاليون في اطاريحهم، مطمئنون نفسياً الى انها راديكالية نظرية لا تزعج أحداً ولا تؤثر في أحد، وتلعب دوراً تنفيسياً قد يكون مطلوباً في كثير من الأحيان.
والثورية الراديكالية النظرية ذات الطابع البرجوازي (وعلى الرغم من حديث العنف، وارتعاد الطبقات) هي إرث شيوعي بامتياز. إذ لم يكن ماركس وانجلز إلا برجوالايين ممتعين بالعافية، ولم ينقل أي من المؤرخين انهما كانا في دوامة من الأخطار. الأمر الذي يغري كثيراً من المنعمين المترفين بممارسة راديكالية طوباوية نقدية وهم بمأمن من أن يثيروا مخاوف أحد من العالمين. بل قد يكون ذلك مفارقة مريحة لأي نظام، وطرفة مستملحة يتداولها السامرون.
فإذا زدنا على ذلك ما قد يوحيه البيان الشيوعي في الفصل الأول منه من احتقار بالغ لتلك الفئة (دون أو تحت البروليتاريا) أو ما يسميهم ناشر البيان في طبعته الأولى الرعاع أو حثالة القوم، حيث يصفهم قائلاً إنهم هذا النتن المستسلم، حثالة الفئات من المجتمع القديم، فإن عاملاً نفسياً آخر يقوم في تفسير ابتعاد المترفين الراديكاليين اصحاب الحذلقة التنظيرية عن واقع البشر، وفي تفسير انهماكهم في مواجدهم الذهنية بعيداً عن كل التزام او مسؤولية، أو أدنى تعاطف مع البائسين..
إن طموحهم لا يعدو أن يكونوا متفلسفين صغاراً، في مناطيد طائرة.. يلوحون بقبضاتهم في الهواء ويصرخون ما وسعتهم حناجرهم..
وهم بلا مراء، اهل جدل و تنطّع و تحريف.