البلديات هل انهارت فكرة الحكم المحلي؟
د. اسامة تليلان
05-11-2012 12:51 PM
يؤكد الواقع أن دراسة الأوضاع المؤسسية يمكن ان يتحقق من خلال النظر الى واقع أي مؤسسة وعلى أي مستوى كانت، وفي حالة مؤسسة البلديات فهي تقدم صورة في اتجاهين الاول اتجاه مؤسسي والثاني اتجاه يتعلق بفكرة الحكم المحلي.
على المستوى المؤسسي تتجسد مشكلة البلديات الخانقة بوصولها الى مرحلة العجز الواضح عن القيام بوظائفها الاساسية، وهذه المشكلة لم تتشكل في عام او عامين وانما كانت تتحرك خلال عقد ونصف الا ان شيئاً باتجاه الحل لم يحدث، كما لم تقدم أي تصورات شاملة ومعمقة قابلة لطرح بدائل معقولة للحلول في اطار متكامل.
فمثلا زيادة مخصصات البلديات من عوائد المحروقات لتحسين اوضاعها المالية قابله توسع في توجه المجالس المحلية لتعيين محاسيب واقارب وتم زجهم في وظائف ادارية لا يستطيعون اشغالها بالنظر الى مؤهلاتهم ونجم عنها تضخم في الجهاز الاداري بحيث وصلت نسبته حدود 80% من حجم الكادر الوظيفي على حساب الوظائف الاكثر اهمية وحيوية، وجداول تشكيلات البلديات ظلت ردح من الزمن خارج أي رقابة او تقييم موضوعي، حتى باتت ايرادات البلديات لا تغطي حجم الرواتب الشهرية لموظفيها. فماذا عن النفقات اللازمة لقيامها بوظائفها الاساسية وابسطها نظافة المدن؟
اما الحل الآخر الذي تمثل بدمج البلديات.. فقد ثبت انه سواء كان السبب في التطبيق او الفكرة، وان كان التطبيق في الواقع شابه الكثير من الاخطاء والاستعداء لمشروع الدمج ذاته في بعض الاحيان، فان المشروع لم يقدم حلولاً بقدر ما فاقم المشكلات المالية والادارية والفنية والتنظيمية.
جوانب العجز المؤسسية في تجربة البلديات صارخة ولا تقف عند عدم قدرة المجالس المحلية المنتخبة على التعامل الرشيد مع القضايا الهيكلية والادارية والمالية داخل مؤسسة البلدية او مع تراجع قدرتها على اداء الوظائف الخدمية والاجتماعية والتنظيمية والرقابية، بل ان فكرة التنمية المحلية اصيبت هي الاخرى بالشلل، اذ طيلة السنوات السابقة لم تتمكن أي بلدية من تقديم أي قيمة مضافة الى عملية التنمية، ولم تستطع كذلك ان تستنبط مشاريع معقولة تزيد من حجم عائداتها وتستحدث من خلالها وظائف يمكن ان تدفع بمجاميع الموظفين المكدسين لديها للعمل بها والاستفادة منهم.
كل ذلك وغيره يقدم فكرة قاسية حول تعثر فكرة الحكم المحلي وقدرة الناس على ادارة شؤون حياتها بشكل جيد من خلال انتخاب حكوماتهم او مجالسهم المحلية، وهذا اخطر ما يمكن ان نعترف به، اذ ان الخلل طال فكرة العقد العام من وراء وجود هذه المؤسسة ... فالأصل ان تقوم المجالس المنتخبة بإدارة البلديات وجباية الاموال من المواطنين مقابل قيام البلديات بوظائف اساسية تتجسد بخدمات عامة للمواطنين.. اما اليوم فان البلديات تقوم بالجباية لدفع رواتب عدد من الموظفين المحسوبين على رؤساء واعضاء مجالس سابقة فقط فإيراداتها لم تعد تغطي اكثر من هذه الرواتب ان تمكنت فعليا من تغطيتها.
وهكذا سيبدو ان الانتخابات البلدية في ظل توجهات الناخبين باختيار من يمثلهم وليس من يستطيع ان يوفر حداً مناسبا من الخدمات العامة التي تحترم كرامة الانسان وادميته قد عسفت بفكرة الحكم المحلي. فاذا كان هذا واقعنا مع المجالس المحلية المنتخبة او الحكومات المحلية فكيف سيكون الواقع لو انتخبنا حكوماتنا على المستوى الوطني.
المشكلة اليوم اكبر مما نتوقع وربما وصلت الى مرحلة مستعصية على الحلول الميسرة والفردية بعد تركها حتى وصلت الى هذا الحد، والخوف اذا ما استمر هذا الانهيار في مؤسسة البلديات ان يخلق انطباع قاتل لدى الناس بالنسبة الى باقي المؤسسات. فعندما تعجز اي مؤسسة عن القيام بوظائفها الاساسية وتصل فعليا الى مرحلة العجز الكلي عندها ماذا يمكن ان تصنف..
يبقى القول ان المشكلة قائمة منذ سنوات طويلة تقلد خلالها وزارة البلديات اكثر من عشرة وزراء رحلوا كلهم والمشكلة ظلت هي الثابت الوحيد وظل السؤال اين عقل الدولة ومراكزها وماذا يمكن ان نستنج من فكرة الحكم المحلي.؟؟؟