معارضة ومزاج سيئ يقفان بالمرصاد
جمانة غنيمات
04-11-2012 03:48 AM
في لقائه الثاني مع الإعلاميين والكتّاب، قدّم رئيس الوزراء شرحا وافيا لماهية الوضع المالي السيئ الذي بلغته المالية العامة نتيجة سياسات الدعم وارتفاع فاتورة الطاقة بسبب انقطاع الغاز المصري.
الرئيس عرّج أيضا على تأثير تأخير المنح على عجز الموازنة والمديونية التي بلغت 14.2 مليار دينار على الحكومة المركزية، باستثناء دين المؤسسات المستقلة؛ حيث قدر الرئيس كلف انقطاع الغاز المصري ودعم المحروقات خلال العامين 2011 – 2012 بنحو 5 مليارات دينار.
كلام الرئيس لم يختلف كثيرا عما قيل في لقائه الذي عقده قبل نحو عشرة أيام مع الإعلاميين، باستثناء أن اجتماع أمس اقتصر على الحديث عن الوضع المالي للخزينة، والخيارات المتاحة وعلى رأسها التخلص من الدعم.
الرئيس، وكما قال في أكثر من تصريح سابق، إن "الحكومة لم تتخذ القرار بعد"، ما يعكس هاجسها حيال اتخاذ مثل هذا القرار في هذه المرحلة بالغة الحساسية، وكأن الهدف من الحوارات المتتالية والمتوالية، تحضير الرأي العام لفكرة رفع الأسعار.
بدا واضحا أن التركيز في هذه المرحلة ينصب على الدعم المقدم للمحروقات (غاز، كاز، سولار، بنزين بشقيه 90 و95)؛ حيث تقدر قيمة الدعم لهذه الأصناف بحوالي 804 ملايين دينار، وتم استثناء الكهرباء من التفكير الحكومي خلال هذه الفترة، رغم أن كلف دعم الكهرباء تصل إلى نحو 1.7 مليار دينار.
الرئيس أكد أن الحكومة لم تضع خطة رفع الدعم بعد، وأن السيناريوهات غير محسومة حتى اللحظة، لكن ما يرشح من معلومات يؤكد أن الفريق المالي اقترب كثيرا من حسم الخيارات باتجاه تقديم الدعم النقدي لجميع الشرائح التي يشملها مسح دخل نفقات الأسرة، والتي يبدأ دخلها بـ 4500 دينار سنويا، وانتهاء بالعشير العاشر من الأسرة وهي الأغنى، والتي يقدر دخلها بحوالي 10 آلاف دينار سنويا.
الغريب في القضية أن الحكومة أسقطت من الحساب الحالة السياسية، ولم تتحدث عن تبعات قرار رفع الأسعار من منطلق سياسي، بل انصب الحديث على الوضع المالي والاقتصادي.
اللافت في اللقاء الذي حضره وزير المالية سليمان الحافظ والناطق الرسمي باسم الحكومة سميح المعايطة أن الحكومة لم تقدم تصورا ولو مبدئيا حيال الخطوات الإصلاحية الأخرى التي ستلجأ لها للتخفيف من الأزمة.
الفجوة بين ما تفكر به الحكومة، وما يطرح من أفكار، يتمثل بأن هم الحكومة الأول خلق رأي عام متقبل لفكرة رفع الدعم، دون أن تعلن تفاصيل الخطة وطريقة التنفيذ، وبدون تحديد خطوات إصلاحية أخرى تتعلق بالمالية العامة، تسهم بالتخفيف من المأزق المالي.
لو رغبت الحكومة بدعم رؤيتها الاقتصادية والمالية، فإن المطلوب منها في هذه المرحلة أن تقدم أفكارها كاملة غير منقوصة، وأن تعلن بدون مواربة بماذا تفكر، وإلا كيف سيعينها الإعلام، كما تطلب، بدون أن تتوفر لديه أية بيانات، باستثناء تفاصيل الوضع المالي التي بات يدركها غالبية الأردنيين، من مختصين وغيرهم.
الشفافية تفرض أن توضع كل المعطيات على الطاولة، ليتم حولها حوار وطني، منفتح، منتج، بحيث نخرج بنتيجة نهائية حيال اتخاذ القرار من عدمه تبعا للمعطيات؛ إذ ما فائدة أن ترفع الأسعار وتعم الفوضى بعد ذلك.
الرئيس طالب الجميع بموقف وطني موحد من توجه رفع الأسعار، ودعا لنبذ الخلافات السياسية جانبا، لحين انقضاء الأزمة المالية، وهذا ما لا يحدث في الصراعات السياسية، بل إن ما يحدث العكس تماما.
على متخذ القرار أن يدرك أن خطوة التخلص من الدعم لم تعد قضية مالية بحتة، بل هي خطوة سياسية بامتياز ورئيس الوزراء والنائب المعارض يدرك ذلك تماما، وعليه أن يتذكر أن المعارضة والمزاج السيئ واقفان له بالمرصاد، ولن يستجيبا لتطلعاته، فماذا هو فاعل؟
لا يمكن للمرء أن يتخذ موقفا رافضا أو داعما لتوجه الحكومة، طالما أنها لم تجب عن أسئلة كثيرة تكشف فيها عما تفكرحيال رفع الأسعار، كم، كيف، ومتى. وأن لا تقتصر المعلومات على تسريبات من هنا وهناك.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد