هل دخلنا في «الحيط» الاقتصادي؟
باتر محمد وردم
04-11-2012 02:50 AM
هنالك نقاش يدور منذ أيام في أوساط النخبة السياسية والإعلامية ونشطاء العمل السياسي فيما إذا كان “الحراك الشعبي” قد دخل في الحيط بعد حوالي سنتين من المسيرات والمظاهرات أم أن الحكومات هي التي دخلت في الحيط نتيجة غياب الرؤية طويلة الأمد عن سياساتها. في واقع الأمر نود أن نبشر طرفي النقاش بأننا جميعا كدولة ومواطنين وحراك ومؤيدين قد دخلنا في الحيط الاقتصادي ونحن لا ندرك.
الحالة هي مثل سيارة منطلقة بسرعة تضم عدة ركاب يقضون الوقت في مناقشة النظريات السياسية في الإصلاح مثل قانون الانتخابات والحكومات البرلمانية والملكية الدستورية وغيرها من الشعارات بينما البنزين بدأ ينفذ بدون أن ينتبه إليه أحد وإذ بالسيارة تقف في منتصف الطريق حتى بدون أن تصل إلى الحيط أو الموقف المنشود. المشكلة أن ركاب السيارة وبدلا من التعاون في إحضار كميات تعويضية من البنزين بدأوا بالتذمر ولوم بعضهم البعض في نقاش سقيم عقيم لن يقدم ولن يؤخر.
كل دول ما يسمى “الربيع العربي” والتي تمكنت من إحداث تغييرات جذرية في اشكال الحكم لم تتمكن من حل أية مشكلة اقتصادية أو تنموية موجودة فيها بل أن معظم هذه المشاكل قد تعمقت. تونس فقدت نسبة كبيرة من نموها الاقتصادي بسبب تراجع السياحة ومصر بدأت بالتفكير في إطفاء الأنوار في القاهرة التي لا تنام، واليمن لا تزال تعاني من مشاكل الفقر والجهل والمياه والقات حتى لو تغير الرئيس وليبيا غير قادرة على تشكيل حكومة ناهيك عن اتخاذ الخطوات الأولى نحو التننمية الاقتصادية المطلوبة. أما في سوريا فلا نستطيع سوى أن نذرف الدمع على ما يحدث فيها. في البحرين تتعطل الحياة الاقتصادية منذ سنتين وفي الكويت تؤدي معادلة الصراع بين الحكومة والبرلمان إلى تعطيل الحياة كاملة في بلد يتمتع بثروة يجب أن تجعله يحقق كل اهداف التنمية التي ينشدها.
في الأردن أضعنا جهدا ووقتا طويلا في المناكفات السياسية والتنظيمية وثنائية الحراك والولاء ولم يتطرق أحد لمشاكل الاقتصاد. صحيح أننا ماهرون في التشخيص وأن كل شخص بداية من محلل اقتصادي وانتهاء بطالب في الصف السادس يمكن له ان يشخص المشاكل الاقتصادية في البلاد ولكن الحلول هي التي تبقى مستعصية. الحكومات لا تملك رؤى وخططا طويلة الأمد والحراك والمعارضة لا تملك حتى ورقة واحدة تضع فيها حلولا بديلة وتطبيقية للمشاكل الاقتصادية والتنموية.
لدينا ثماني تحديات جوهرية يجب معالجتها تعتبر أكثر أهمية من قانون الانتخابات وجدل الملكية الدستورية وغير ذلك من التنظير السياسي. المشاكل الثمانية هي عجز الموازنة وانتشار الفقر والبطالة ونقص الطاقة والمياه والخلل في معادلة الإنتاج الغذائي وتراجع خدمات الصحة والتعليم. بدون ايجاد حلول جذرية لهذه التحديات الثمانية لا تفيدنا أية تحولات سياسية شكلية. حتى لو تم تشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية معارضة وحتى لو تم تعديل الدستور جذريا ليسمح بملكية دستورية فإن اي تقدم اقتصادي وتنموي لن يحدث إلا في حال وجود برامج وخطط بديلة تعالج المشاكل السابقة.
تحاول الحكومة الحالية أن تطرح الحقائق أمام الجمهور وهذا طبعا لتخفيف حدة ردود الأفعال السلبية على القرارات المتوقعة. الحكومات السابقة جميعها كانت لديها قناعة في أنها وحدها التي تملك الذكاء الكافي لاتخاذ القرارات التي تؤثر على حياة الناس بدون التشاور معهم وهذا من الأسباب الأساسية التي جعلتنا نصل إلى مرحلة فقدان البنزين في منتصف الطريق.
السيارة بحاجة إلى دفشة وليس إلى تبادل الاتهامات والمناكفات وانتظار من يهزم الثاني أولا!.
batirw@yahoo.com
الدستور