في الطريق الى سيئول .. أفكار تتزاحم
اسعد العزوني
03-11-2012 09:52 PM
ما أن حطت بي الطائرة التي أقلتني من عمّان الى مطار دبي الدولي ،المحطة الأولى لرحلتي الى كوريا الجنوبية ،حتى وجدت نفسي مرتعا لأفكار متصارعة ،تتزاحم بدون قوانين ناظمة لها ،وأولها وأكثرها الحاحا هو:لماذا وصلت كوريا الجنوبية الى ما وصلت اليه من تقدم ورفعة وإزدهار ،رغم واقعها ؟ونحن العرب ورغم ما نمتلكه من إمكانيات ومخزون قيم، ننحدر الى الوراء وبسرعة مهولة،إذ دخلنا هذه الأيام مرحلة تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم أصلا؟ولم نحافظ حتى على الدولة القطرية رغم مآسيها وما جرته علينا من ويلات؟
معروف للجميع أن كوريا مقسمة وشمالها يهدد جنوبها وأمريكا تبتز كوريا الجنوبية ،وهذا يعني أن كل الطرق مسدودة امام أي تقدم كوري ،لكن الإرادة السياسية أولا كسرت الحواجز وإنتقلت كوريا الجنوبية من مرحلة التأخر والجهل الى مرحلة الإزدهار والتقدم.
كما أن الدخل القومي لمصر في ستينيات القرن المنصرم كان أعلى بكثير من الدخل القومي في كوريا الجنوبية ،ومع ذلك غادرت كوريا الجنوبية مرحلة " الشحدة" وقبول الإعانات الدولية المذلة ودخلت نادي الدول المانحة للدول العربية ومنها مصر .ويحق لنا التساؤل أين كوريا من مصر بل أين مصر من كوريا؟
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن كوريا الشمالية رغم وضعها وفقر أهلها وصلت الى ما وصلت من القوة العسكرية فيما نحن العرب العاربة والمستعربة ،ما نزال نستورد حتى البطاطا المقشرة من الغرب،ولذلك نتمنى على الكوريتين إنجاز الوحدة لدمج الإمكانيات ورؤية كوريا الموحد الجديدة بكل قوتها وإزدهارها.
كوريا مجزأة ،نعم،والعرب مجزأون،وهذا صحيح،وعدد سكانها نحو 50 مليونا ،ونحن نناهز ال 300 مليونا ،لكنهم منتجون ،بدليل أن كوريا الجنوبية تصنع وتصدر وعمالتها تبني في الوطن العربي ،بينما العرب كما قلت مستوردون كسالى نيام بقلق،ونسبة عالية من شبابهم عاطلون عن العمل رغم انهم خريجو جامعات ،وهذه كله بسبب سوء التخطيط في كل شيء ،ولا يغرن أحدا كثرة الجامعات الخاصة في الوطن العربي.
وهذه الجامعات باتت هي المساهم الأكبر في رفد صفوف البطالة بالعاطلين عن العمل من الشباب الخريجين،علما أن السوق الخليجية تعج بالعمالة الأجنبية،رغم المخاطر السياسية والإقتصادية والإجتماعية الجمة التي تنجم عن ذلك.
السؤال الملح الذي غزا هذا الصراع الجوي هو:لماذا لم نتقدم وننهض نحن العرب كما فعل اليابانيون والكوريون الجنوبيون الذين عانوا من ويلات الحرب والدمار؟
الجواب لم يكن بحاجة الى إستحضار تحالف سحري يهودي مغربي هندي ،بل تقفز الحقيقة المرة وهي أن إنعدام القرار السياسي العربي بالتقدم والتذرع بوجود " اللقيطة" إسرائيل ،هما من أسباب تخلفنا .وهذا هراء لأن الآخرين الذين نتحدث عنهم مروا وما يزالون بظروف أشد قسوة من ظروفنا ومع ذلك أنجزوا.
صحيح أن هناك من سيقول أن العرب أصبحوا يمتلكون شيئا ،ولكني واستعانة بعلم المنطق أقول أننا لسنا من التقدم في شيء ،إذ أن الأبراج التي يشيدها لنا العمال الأجانب ليست حضارة ،وأن الدخول الى كتاب غينتس للأرقام القياسية من خلال صحن التبولة وعلبة البقلاوة وصحن الحمص وحبة الفلافل ليست تقدما ،كما أن المولات الضخمة ليست دليل تقدم بل هي وسيلة إستهلاكية لهضم المنتجات الغربية ليس إلا.
نحن أولى ببناء الأبراج بأيدينا لأننا نمتلك جيشا عرمرما من المهندسين ونحن أولى بالتقدم لأن لدينا القيم والمال ،ونحن أولى بشراء منتجات بعضنا البعض من باب التكامل فأرضنا العربية معطاء ،ولكننا لا نزرع ولا نصنع ولا نبني ولا نبتكر لأنه ممنوع علينا ذلك وقد قبلنا بذلك..فالويل كل الويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع وتسكن في بيوت يبنيها الغرباء ويحميها أعداؤها؟!