وادي عربة .. والسمن والعسل **أ. د. محمد المجالي
mohammad
03-11-2012 08:17 PM
ما زلت أذكر بعد توقيع اتفاقية وادي عربة المشؤومة، وما كان من مغريات كثيرة اقتصادية على وجه التحديد بشأنها، وأن المواطن سيعيش في رغد من العيش بفضلها، وما ستوفره من استثمارات هائلة، تم إقناع المواطن البسيط بها، وكيف كان من ضمن الاحتجاج عليها بعد سنة أو سنتين، أن قال المحتجون: أين السمن والعسل الذي وعدتمونا به؟ ليجيب دولة رئيس الوزراء المعني بالاتفاقية حينها بأن نعطي الاتفاقية سنوات معدودة، وبعدها سترون الثمار والسمن والعسل، فكان ما كان من حقيقة ما تجرعناه من سمّ أجهض اقتصادنا، ومن عسّ (كلمة تقولها العرب لمن يطوف بالليل ليعرف أهل الريبة) أرهب أحوالنا، حين أدرج جهاز الأمن الرئيس في البلد من ضمن أولوياته المحافظة على الاتفاقية المشؤومة.
ومن حقنا بعد ثماني عشرة سنة من البؤس والتراجع الاقتصادي المخيف، ونسمع الآن طنطنات عن احتمال تراجع قيمة الدينار أو رفع الأسعار، وشيء من فتات دعم يدغدغ به دولة الرئيس عواطف المساكين من هذا الشعب، من حقنا أن تكون المراجعة الاقتصادية الشاملة، يمسك بها أناس مخلصون منتمون لا اللصوص الذين نهشوا ونهبوا، وما زالت أشباح صورهم تنغص على الأردنيين بقية حياتهم، فهم هم الساسة والمنظرون وأصحاب الصالونات المريبة التي تبني وتوجه سياسات البلد المهترئة أصلاً.
من حقنا أن نصرخ ونُسمع أصواتنا للقاصي والداني أن الذي حصل للبلد خلال الفترة الماضية هو بيع لمقدراته، ومسخ لهويته، فأين أمانة الحكم والوفاء للشعب المطالَب بالطاعة؟ وأين العدالة والمصداقية حين يُطلَبُ من الشعب الانخراط والعمل، والثقة منعدمة والريبة تلوّح برأسها في المفاصل الرئيسة: اقتصاديًا واجتماعيًا، فقر يسود وتنعكس آثاره على الحياة الاجتماعية والأسرية، ليزيد مستوى الجريمة والكراهية، حتى في السياسة فقد تراجع الدور الأردني وأصبح يعيش على هامش التأثير العربي، فبفضل الاتفاقية نعيش عزلة عن قضايانا الإسلامية والعربية، ندور في فلك السياسة والمصالح الغربية والإسرائيلية أكثر من مصالحنا الوطنية والقومية.
الأردن الآن على مفترق طرق، هناك حرجٌ ما يبدو في اللغة السياسية، وفي وجوههم نقرأ عبارات التردد والضيق، لا أظن تأثير الربيع العربي هو السبب الرئيس، بل هناك ما يقلق الجميع، والأصل أن الرائد لا يكذب أهله، فلا بد من المكاشفة والمصارحة وبناء مصداقية وثقة، وبدون هذا كله لا يمكن للبلد أن ينهض ويتعافى، وما أجمل ما وجّه به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب واليه على البصرة أبا موسى الأشعري حين قال له: "لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهُديت لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم، وإن الحق لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن والسنة".
هناك شأن يقلقنا فيما تفرضه علينا سياسات غربية من أمر واقع يخص حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهناك ابتزاز بتعليق الدعم الاقتصادي على تنفيذ هذا المخطط، وهناك تردّ اقتصادي نتيجة السياسات غير الحكيمة السابقة، فهل تنفرد جهة واحدة مهما علت باتخاذ قرار مصيري يخص الأردنيين جميعًا!؟ قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استشار في الشؤون كلها، ولكن مرة أخرى لا بد من مصداقية وثقة، وإلا فلننتظر الأسوأ، وعندها لا يلومن أحدٌ الآخر في أي تصرف يتصرفه، فإذا غاب العقل وضاق الصدر وساد الفقر، فقد تنفلت الأمور من عقالها.
إن المسألة أكبر من قانون انتخابات، ومن صناديق مساعدات، إنها السياسة الواضحة الشاملة التي نطمئن من خلالها نحن الأردنيين إلى كياننا وهويتنا ومصيرنا واقتصادنا وعلاقاتنا الداخلية والخارجية، لا نريد أن تلهينا أية أمور جانبية عن قضايانا المصيرية، والشعب واع ما عاد ينطلي عليه الخداع، وجريء لا يخشى إلا الله، ففضاء الإعلام والاتصال مفتوح، والكل في ظله مفضوح، فهل من مصداقية وعدالة ننتقل بهما بقوة نحو عزة وكرامة؟