الأردن في صلب التفكير الإسرائيلي
راكان السعايدة
03-11-2012 06:49 AM
لم ينقطع التفكير "الإسرائيلي" يوما عن البحث في خيارات تصفية القضية الفلسطينية، وعلى حساب أي طرف كان، والأردن، هنا، في صلب هذا التفكير ويكاد، أو هو كذلك، خيار إسرائيلي أساسي ونهائي للتسوية والتصفية.
ويظهر ذلك جليا واضحا في دراسات إسرائيلية وأميركية قدمت تقييمات ومقاربات عميقة ودقيقة لخيارات إسرائيل وممكنات التخلص من أكلاف القضية الفلسطينية.
هذه الدراسات التي أشرف عليها سياسيون ومفكرون كبار كانت المغذي الرئيسي لمئات التصريحات لمسؤولين في تل أبيب وواشنطن صبت كلها في إدراج الأردن كخيار تنتهي في سياقه القضية.
تلك الدراسات، أيضا، وقفت خلف سياسات سلطة الاحتلال، وتُرجمت بمنهجية استيطانية وتهجيرية خلقت حقائق على الأرض، وطوعت الخطاب السياسي الاحتلالي لتثبيت تلك الحقائق كأمر لا يقبل التنازل عنه.
ورغم أن إسرائيل رسميا حافظت على خطاب تفاوضي يفضي إلى حل (...) لتجنب ضغط الحلفاء على ضعفه، إلاّ أنها خلقت كل معيق ممكن لإفشال ترجمة الخطاب، متكئة على حقائق الأرض والخلافات العميقة حول التفاصيل.
الجديد والمفاجئ أن السلطة الوطنية الفلسطينية تلمح علنا وعلى لسان رئيس الدائرة السياسية في المنظمة فاروق القدومي إلى إمكانية تبنيها لأحد الخيارات الإسرائيلية وإن اعتبر ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية كلام القدومي "ثرثرة".
لكنها، حتما، ليست "ثرثرة" بلا أساس موضوعي في عقل السلطة وطبقة أوسلو التي تريد حماية دورها ومصالحها ووجودها في سياق المعادلة السياسية التي أنتجتها.
فالقدومي يرحب بعودة الضفة الغربية إلى الاردن بعد تحريرها دون أن يوضح شكل ومضمون التحرير، ويرى أن العودة يمكن أن تكون في إطار فدرالية أو كونفدرالية..
صحيح، أن موقف عبد ربه الرافض لمنطق القدومي سياسيا ورسميا، إلاّ أن الأمر يحتاج إلى قراءة أردنية موضوعية وعميقة لما آلت إليه الأوضاع في الضفة الغربية وغزة بعد أن نسفت حقائق الأرض الأساسات التي قامت عليها اتفاقيتا أوسلو ووادي عربة.
ويحتاج من القوى الفلسطينية الحية المتمسكة بإقامة الدولة الفلسطينية تفكيرا عميقا بالكيفية التي تدير به السلطة ملف التسوية، كي لا نصحو جميعا على تنازلات كارثية.. مقدماتها لم تقف عن القدومي بعد أن المح رئيس السلطة محمد عباس لتنازل ممكن عن حق العودة.
إن "إسرائيل" ومنذ سنوات غيرت الواقع وانتجت حقائق على الأرض تنهي الآمال بإقامة دولة فلسطينية حقيقية، عندما أنهمكت طويلا في تعزيز الأستيطان، وخلق جغرافيات مقطعة عبر جدار العازل.
وهذه الحالة، أدت إلى حقيقتين، الأولى، أن إمكانية إقامة دولة مترابطة في الضفة الغربية أمر متعذر بفضل الاستيطان والجدار. والأخرى، أنتجت واقعا معيشيا صعبا وطاردا للسكان من مدنهم وقراهم المحاصرة والتضييق على حركتهم.
ما يعني خلق بيئة تهجير ناعم وواقع على الأرض يدفع التفكير السياسي لدى السلطة الفلسطينية وبعض المكونات إلى بديل يبقى حاضرا في الذهن إلى وقت مناسب، أماط اللثام عن جوهره فاروق القدومي.
و"إسرائيل" بخلاف الأردن وسلطة رام الله، وكل العرب، تبني سياساتها على قراءات وتقييمات ومقاربات مدروسة في العمق وتخلق بيئة مناسبة لإنفاذها، فيما نحن بلا خيارات وبلا تصورات وبلا إمكانات تجابه سياسات الاحتلال غير مفردة الشجب.
ودونما تغييرات بنيوية في التفكير السياسي العربي يوازي التغيرات في البنية الفكرية والسياسية الإسرائيلية المنحازة بقوة إلى التطرف دليل ذلك تحالف اليميني بنيامين نتنياهو (الليكود) واليميني المتطرف أفيجدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا).
وهذا النمط المتطرف والمتنامي في العقلية الإسرائيلية سيجد في صيغة أردنية- فلسطينية مخرجا لمأزق مركب، إسرائيلي وسلطة رام الله.
وخيار إلحاق الضفة الغربية يراد له أن ينهي مشكلة اللاجئين بتوطينهم في خارج فلسطين وإلغاء حق العودة، وإجراء تعديلات على حدود 1967.
وترتيباته الأمنية بالمفهوم الإسرائيلي، أن يكون لديها قواعد إنذار مبكر وقدرة دفاعية ملائمة في عمق الضفة الغربية أو حتى نقل الحرب إلى الأردن عند اي تهديدات من الشرق، وأن تبقى الترتيبات الأمنية مستمرة ما استمرت المخاطر.
لأن الفدرالية أو الكونفدرالية تعني ان تتشكل المملكة الأردنية من الضفة الشرقية ومعظم أراضي 67، ويكون الحكم أردنيا بما فيه الأمن الداخلي والدفاع. وان تشرف إسرائيل مع الأردن إشرافا مشتركا على نقاط عبور نهر الأردن.
وفيما يتعلق بالمستعمرات اليهودية، فبعضها سيكون واقعا في منطقة تضمها إسرائيل، أما تلك الواقعة داخل دولة الوحدة (أيا تكن الصيغة) يتحتم إخلاؤها، مع إمكانية السماح بالبقاء تحت السيادة الأردنية، تلك السيادة التي يراد لها السيطرة الكاملة على الشكل المستقبلي للعلاقة برغم توقعها أن أطرافا فلسطينية سترفض ذلك.
وهي تتحسب لمثل هذا الرفض وستتعامل معه بإضعاف الواقع الفلسطيني لإجبار تلك الأطراف على القبول بخيارالفدرالية فهو ينطوي، إسرائيليا، على مخاطر أمنية أقل بوصف الضفة ستشكل جزءا صغيرا من الفدرالية، ويسهل على الأردن تقبل نزع كامل سلاحها.
ذلك أيضا يتضمن الاتفاق على عدم دخول جيوش عربية إلى الأراضي الأردنية دون موافقة إسرائيلية مسبقة وان يعمل الأردن دون أنبعاث الحلم بدولة تشكل كل فلسطين التاريخية.
أمام مثل هذا التفكير واحتمالاته ..ماذا نحن فاعلون، أردنيون وفلسطينييون.. ؟