مطلوب من حكومة د. عبدالله النسور اتخاذ قرار إلغاء الدعم عن أسعار سلع أساسية والمشتقات النفطية قبل اليوم الأول من الشهر المقبل؛ أي قبل إعداد موازنة 2013. وفي موازاة ذلك، تسعى الدولة إلى الحصول على ما يقارب المليار دولار من السعودية، لتتهيأ لها فرصة زيادة رواتب الموظفين بما يقارب مائة دينار، وفقا لتسريبات رسمية.
ولا يبدو في الأفق أن قرار إلغاء الدعم سهل؛ فكلفته عالية، لاسيما في الجانب الأمني. وبانتظار الدعم النقدي السعودي، تبقى مسألة استرضاء الموظفين ومحدودي الدخل معلقة حتى تتدفق الهبات إلى خزينة الدولة.
هذا في توقعات الشهر الحالي وكذلك المقبل، أما على أرض الواقع، فإن ما صرح به وزير التخطيط ينطوي على وصول نصف مبلغ 365 مليون دولار إلى الخزينة، بانتظار وصول النصف الثاني قبيل نهاية العام، وهو مبلغ الدعم النقدي المقرر لدعم موازنة الدولة، في حين تتجه منح بمبلغ 300 مليون دولار إلى مشاريع تنموية ذات صلة بالمياه والطاقة والنقل. وعلى الجهة المقابلة، ثمة مليار دولار كقروض ميسرة اضطر الأردن لها لدعم الموازنة بما يقارب 600 مليون دولار، في حين يتجه مبلغ 400 مليون دولار من هذه القروض إلى قطاعي المياه والطاقة.
وبمعرفة أن 53 % من المنح التي حصل عليها الأردن مؤخرا اتجهت إلى دعم الموازنة، فإن التشوه ما يزال قائما في هيكل هذه الموازنة، ومن غير الواقعي أن يبني المواطن الأردني آمالا عريضة على المساعدات والمنح وحتى القروض الميسرة. ففي الوقت الذي كانت الإيرادات المحلية تغطي تقريبا النفقات الجارية قبل أربع سنوات، فإنه بعد دخول الأردن على خط الأزمة المالية العالمية، وتراجع الأحوال الاقتصادية الإقليمية بعد الربيع العربي، لم تعد تغطية الإيرادات للنفقات في موازنة العام الماضي تتعدى 74 %، بحسب تصريحات حكومية، ما يعني أن الدولة مستمرة في الاستدانة والبحث عن مساعدات ومنح وتمويلات من هنا وهناك.
العامل الاقتصادي سيتحكم بمستقبل الدولة وأفرادها خلال السنوات المقبلة، وهو عامل خانق؛ فلا الحكومة لديها القدرة على عدم اتخاذ قرار ألزمت نفسها به أمام الجهات المانحة، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، بغية الحصول على دعم نقدي وقروض، ولا المواطن لديه القدرة على تقبل هكذا قرار، ومثله مؤسسات القطاع الخاص التي تشهد انحسارا مقلقا في السيولة وفي القدرة على إدامة المشاريع. كما غادر الاقتصاد على عجل نسب النمو التي كان حققها قبل أربع سنوات؛ فبينما كنا نتحدث عن 7 % للنمو الاقتصادي، بات الواقع اليوم أقل من 3 %. ولا توقعات حقيقية بالعودة إلى مربع النسبة السابقة كون الاقتصاد يعاني من تراجع التصدير، والتوسع في الاستيراد، إضافة إلى أزمات مزمنة ذات صلة بعجز الموازنة والمديونية.
في الدراسة التحليلية التي نشرتها "الغد" الأربعاء الماضي، يكمن أصل التشوه في هياكل الموازنات المتلاحقة. فمنذ العام 2000 وحتى العام الحالي، أنفقت الحكومات نحو 55.6 مليار دينار، وتركز ثلثا حجم الإنفاق في رواتب الموظفين والتقاعد والدفاع والأمن ودعم المحروقات. وفي المضمون، تراجع الإنفاق على التعليم مقارنة بالتوسع الإنفاقي في قطاعات أخرى.
في ظل أجواء الغلاء التي يعيشها المواطن الأردني، وتحت أعباء الإنفاق المتزايدة على المستويين الحكومي والفردي، ومع تزايد معدل التضخم، فإن قرار رفع أسعار السلع الأساسية والمشتقات النفطية يصبح غير محتمل، لاسيما في ظل تباطؤ وصول العديد من المنح والمساعدات التي كانت أعلنت عنها الدولة سابقا. ويبدو أن قوة الاقتصاد وقدرة المستهلك الشرائية قد خارتا أمام استمرار تهديدات العجز والغلاء، والتوسع في الإنفاق، وضعف الحلول للأزمات الاقتصادية.
الغد