العاهل الأردني ينحاز للأغلبية الصامتة ضد الحراك العبثي * نهال اسماعيل
01-11-2012 06:17 PM
وضوح وحسم وشفافية:
في خطابه الأخير الثلاثاء 23 اكتوبر خلال لقائه مختلف الفعاليات الوطنية في الديوان الملكي الهاشمي تحدث العاهل الأردني بصراحة ووضوح غير مسبوقين وبلغة هادئة وخالية من الشعارات والفهلوات التي اشتهر بها رؤساء الجمهوريات الثورية الوراثية بخطاباتهم الغوغائية وشعاراتهم الزائفة. تحدث عن مشروع الدولة الأردنية القائم على التسامح والحوار وكرامة الانسان. تحدث عن أردن جديد تتجذر به الديمقراطية والتعددية.
تناول الملك موضوع المسار الاصلاحي الذي يقوده ويشجعه مؤكدا دعمه لحق المواطنين في مطالبهم الشعبية وحقهم في المشاركة في القرار الذي يؤثر عليهم مؤكدا التزام العرش بضمان هذا الحق.
وللمشككين والمناكفين أكد الملك ان فرص التغيير للأفضل والاصلاح متوفرة من خلال الاقتراع والانتخاب وتحت قبة برلمان جديد يمثل الشعب. وقال ان هذا البرلمان سيرسم سياسات وخطط لمعالجة الفقر والبطالة ومكافحة الفساد ومشاكل المياه والطاقة والعجز المالي وتطوير النظام الانتخابي. وشدد جلالته أن البرلمان القادم هو بوابة العبور للاصلاح الشامل.
ومن النقاط الهامة التي جاءت في الخطاب هي أهمية التمييز بين معارضة وطنية ايجابية مسؤولة وبين حراك سلبي يسعى لاثارة الفتنة والفوضى. هذا الحراك الذي يعتمد على الشعارات الزائفة لا يمثل الغالبية الصامتة. بهذه الكلمات حسم الملك المسألة ووقف مع الشعب ضد ذوي الاجندات التي لا تخدم الأردن وتهدد وحدة واستقرار الأردن.
ومن المثير للاهتمام أن الملك وجه انتقادات لأشخاص وشخصيات سياسية لعبت دورا في الحكومات المتعاقبة السابقة وساهمت في رسم سياسات الدولة من موقع المسؤولية ولكنهم انقلبوا ضد الدولة في اللحظة التي وجدو انفسهم فيها خارج مركز القرار. لا أريد التكهن باسماء المعنيين ولكن الفكرة واضحة تماما.
ولمن يطالبوا باسقاط النظام:
أشار الملك لتلك الحفنة القليلة التي تطالب باسقاط النظام. وأكد بالقول ان النظام هو الدولة بمؤسساتها ودوائرها وكل فرد هو جزء من النظام. ولهؤلاء المطالبين باسقاط النظام قام الملك بتذكيرهم ان الهاشميون لا يعتبرون ان الحكم هو مغنم بل مسؤولية وواجب وتضحية لخدمة الأمة والدفاع عن قضاياها. وقام بتذكيرهم ان الحكم الهاشمي لا يقم على احتكار السلطة بل رعاية مؤسسات الدولة وفق الدستور. وحذر المعارضة من العبث بأمن واستقرار ووحدة الوطن.
وتعليقي على المعارضة والحراك:
نعم هناك معارضة وطنية مسؤولة تطالب بالاصلاح في ظل الهاشميين. وهذه ليست نقطة الاختلاف.
وقلت أيضا في مناسبات سابقة ان هناك فئة أو جماعات سوف لا يرتاح بالها الا اذا غرق الأردن في سيل من الدماء. هناك احزاب مخترقة اقليميا وتعمل لحساب النظام السوري والايراني او لحركات عقائدية ذات اهتمامات واجندات لا تخدم الأردن.
اليسار المخترق سوريا:
قبل عدة اسابيع كشفت وثائق مسربة لموقع العربية ان المعارضة الأردنية لا سيما اليسارية منها مخترقة سوريا وتستلم تمويلها من مصادر خارجية. ونشر موقع العربية تفاصيل المؤامرة ضد الأردن حيث أن أحد الوثائق المؤرخة في الثالث من ديسمبر/أيلول من عام 2011 والمرسلة من اللواء ذو الهمة شاليش ابن عمة الرئيس بشار الأسد إلى فؤاد فاضل منسّق العمليات الخارجية وضباط الارتباط بالعملاء السوريين، ويشرح فيها السبل التي ينصح باتباعها لزعزعة الأمن الأردني، ومن بينها زرع خلايا تساعد على تنظيم التحرك في مناطق التوتر داخل الأردن، فضلاً عن تزويد عناصر غير سورية بالأسلحة في المناطق المتوترة وربط كل الخلايا بأشخاص أردنيي الجنسية معروفين بمعارضتهم للنظام القائم كواجهة لهم.
كما أصدر أوامره بإرسال عملاء المخابرات السورية إلى المناطق التي يتواجد فيها المنشقون العسكريون عن نظام الأسد ويأمر بتصفية أشخاص محددين لإحراج النظام الأردني. والمؤسف ان بعض الشرائح من اليسار القومي الأردني لا يزال يصدق أكذوبة قلب العروبة النابض الصامد والمقاوم. علينا تذكير هؤلاء للمرة الألف ان الجولان لا يزال محتلا ولم يطلق النظام السوري رصاصة واحدة تزعج اسرائيل.
ما يهمني هنا هو نفاق اليسار الفاضح الذي يتظاهر ويطالب بالاصلاح في الأردن وهذا حقه ولكن هذا اليسار يرفض هذا الحق للشعب السوري الذي يتعرض لمجازر يومية من نظام الممانعة والمقاومة الذي لا يمانع ولا يقاوم سوى بالشعارات اللفظية لاستقطاب بسطاء الشارع وساذجين اليسار. ليس غريبا انهم فقدوا مصداقيتهم وقاعدتهم الشعبية تقلصت. يتمسكون ببشار الأسد المجرم كما تمسكوا قبله بصدام حسين ومعمر القذافي.
الاخوان المسلمون والتحريض ضد الملك:
الاخوان المسلمون يرفضون المشاركة في الانتخابات المقبلة بحجة ان نظام الانتخابات ليس عصريا بعبارة اخرى ان قانون الانتخابات الجديد لا يناسبهم لأنه لا يضمن لهم السيطرة على البرلمان. يريدون نظام انتخابي على مقاسهم بغض النظر عن بقية المجتمع. كأنهم يقولون نحن فقط نحتكر الحقيقة ونحن فقط نستحق الانتخاب أما بقية الشعب فيذهب للجحيم. اتساءل جدلا اذا توصلوا الى دفة الحكم فهل سيطبقون النموذج الايراني او النموذج الحمساوي او السوداني او الطالباني او الصومالي.؟ ما هو برنامجهم لعلاج قضايا الفقر والبطالة والعجز في الميزانية؟ الشعب الأردني لا يزال ينتظر الجواب.
الاسلاميون والاخوان المسلمون يرفعون وتيرة التصعيد ويستفزون ويبتزون لخلق حالة مفتعلة من التوتر والترقب وهذه تكتيكات مفلسة ينفر منها الشعب وسوف لا تجدي. قرارهم الخاطيء الماشيوزي بمقاطعة الانتخابات سيهمش تأثيرهم على عملية الاصلاح. يطالبون بالاصلاح والتغيير ولكنهم يرفضون المشاركة في الحوار لبحث الاصلاحات المطلوبة ثم يرفضون المشاركة في الانتخابات التي ستمنحهم الفرصة لتحقيق الاصلاحات المنشودة ومن تحت قبة البرلمان الجديد. ينتهزون كل فرصة لاصدار بيانات عنترية ضد الحكومة. يفتعلون الأزمات ويهددون ويتوعدون ويلوحون باسقاط النظام او تغييره ثم ينفون ويتنصلون.
والاسوأ مما سبق هو ما قرأته في صحف ومواقع أردنية بتاريخ 16 ايلول 2012 خبرا يقول ان اخوان الأردن حرضوا واشنطن ضد الملك وذكر التقرير ان القيادي الاخواني جميل ابو بكر انتقد وألب الولايات المتحدة ضد النظام الهاشمي في الأردن بقوله "انه لا يمثل الشعب". ثم تبع ذلك التملص والتنصل والنفي والتوضيح والتبرير واللف والدوران. كيف يمكن ان تثق الغالبية الصامتة بهذه المجموعة من الانتهازيين.
لا تفرطوا في الهاشميين:
أوئل هذا العام في مقال لي بعنوان "ايها الأردنيون اياكم التفريط بالهاشميين" كتبت في ايلاف مستعرضا الأنظمة الجمهورية الثورية الوراثية الفاشلة التي جلبت الويلات لشعوبها وللانظمة الطالبانية الدينية التي فشلت سياسيا واقتصاديا وانتهكت حقوق الانسان والمرأة. وأكرر هذا النداء الآن في ضؤ المتغيرات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة.
واختتم بالقول أن العائلة الهاشمية تبقى صمام الأمان للأردن في فترة تاريخية صعبة وفي منطقة مضطربة وتطورات ديناميكية قد تشعل المنطقة برمتها وهذا السيناريو الخطير سوف لا يستثني الأردن. هذا التطور يستدعي الوقوف بحزم وثبات خلف القيادة الهاشمية في مواجهة التحديات وليس الوقت لصرف الأنظار عن القضايا المصيرية والانشغال بأمور ثانوية وجانبية من ابتكار الاخوان وغيرهم.
ويجب القول انه لا يحكم الأردن دكتاتور تسلطي بل ملك هاشمي واعي وعاقل وبراغماتي ومتسامح. لا يحكم الأردن دكتاتورية جاءت للحكم بانقلاب عسكري بل نظام ملكي دستوري يتمتع بشرعية دستورية ودينية وتاريخية. فهو يحكم بعقلانية وحكمة جلبت الاستقرار والأمن لعقود من الزمن ناهيك عن التقدم في مجالات التعليم والصحة والسياحة والزراعة والفن وبنية تحتية متطورة.
لندن
ايلاف