في خضم الأحداث الكبيرة والمتسارعة التي عصفت في الاونة الاخيرة في الساحة الاردنية تكشفت لدينا العديد من الحقائق والمعطيات واصبح جليا لكل مواطن عاقل ووطني باننا امام منعطف تاريخي سيحدد مصير الاجيال القادمة، حيث أصبح من المحتم على القوى السياسية المتصارعة على الساحة أن تعيد تقييم حساباتها ومواقفها السياسية لما فيه خير ومصلحة الوطن.

ان قوى المعارضة جميعها، متمثلة بحركة الاخوان المسلمين والحراك واحزاب اليسار، وبعد الالاف من المسيرات والاعتصامات و لما يزيد عن عامين من الزمن بحاجة الى وقفة تأمل ومراجعة للذات فيما تحقق من مطالبها والخيارات المطروحة لتحقيق ما تبقى منها.

في الخامس من تشرين الاول كنا على موعد مع "مسيرة انقاذ الوطن" التي دعت لها حركة الاخوان المسلمين، حيث عقد المعارضون عليها الامال واكدوا بانها ستحقق الكثير من المغانم السياسية وستشكل ضغطا على صناع القرار للبدء بالعمل الجاد بمسيرة الاصلاح. نجحت المسيرة من ناحية الحشد واظهارحسن التنظيم وقوة التمثيل ولكنها فشلت من ناحية الرهان على ان تلك المسيرة ستغير قواعد اللعبة لصالحها. المعارضة الان امام خياران لا ثالث لهما، فاما التصعيد و اما التنازل.

ان الربيع الاردني له خصوصيه تجعله مختلفا عن باقي دول الربيع العربي حيث غاب عنه الزخم الشعبي في الشارع ولم يواجه بقمع دموي.


ان المعارضة بلا شك محقة بمعظم مطالبها الدستورية وهي تمثل شريحة كبيرة من الاردنيين ويضرب بها المثل بالحكمة والوعي وحسن التنظيم وتوجهاتها السلمية. وقد نجحت بتحقيق البعض من مطالبها في الربع الاول من ربيعنا الاردني من خلال الشارع وتجلى ذلك بالتعديلات الدستورية والهيئة المستقلة للانتخابات والمحكمة الدستورية وتقديم بعض المتهمين بالفساد للمحاكمة.

لا يخفى على احد ان في الدولة الاردنية من يعرقلون مسيرة الاصلاح وبشكل ممنهج ويسعون جاهدين للطعن بالمعارضة واقصائها. ومن جانب آخر هنالك عقول حكيمة تسعى لاستيعاب المعارضة وعدم الانجرار لاقصائها او استخدام العنف معها، على النقيض مما حدث او مازال يحدث في جميع دول الربيع العربي وهذه نقطة مفصلية على المعارضة ادراكها واستغلالها لاحداث الاصلاح المرجو من داخل النظام نفسة اي عبر مؤسسات الدولة.


لا يمكن عزل الاردن عن محيطه الملتهب واللاعبين الاقليميين ممن لهم مصلحة بتأزيم الوضع الداخلي فيه واستغلال المسيرات، حيث ان المظاهرات في الشارع قد لا تكون محصنة مستقبلا من اعتداءات مدسوسين ارهابيين وجميعنا يدرك تبعات ازهاق روح مواطن اردني واحد اثناء مسيرة او اعتصام. ان تصريحات التهديد والوعيد التي يطلقها بعض المحسوبين على انظمة مجاورة و ضبط جهاز الامن العام لحافلات محملة بالسلاح كانت متوجهة الى وسط البلد في يوم "جمعة انقاذ الوطن" بالاضافة الى ضبط جهاز المخابرات العامة للخلية الارهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة مؤخرا خير دليل على ذلك.

ان تكليف د.النسور كشخصية معارضة توافقية واطلاق سراح معظم المعتقليين السياسيين والتقائه بهم فورالافراج عنهم وتأكيده على مشروعية مطالبهم بالاضافة الى تشكيل هيئة مستقلة للانتخابات تتمتع بشخصية اعتبارية وباستقلال مالي وإداري، والتي تقوم بعمل مهني وشفاف في التجهيز للانتخابات وضمان نزاهتها، جميعها تعتبر خطوات ايجابية من قبل الدولة يمكن استغلالها لرأب الصدع والتوحد لصنع التغيير.

الفرصة ما زالت متاحة للمعارضة الاردنية للمشاركة بالمجلس النيابي المقبل، اذ ان الجداول النهائية للمسجلين بالانتخابات
لم تصدر بعد، مما يتيح لهم المجال لاتخاذ القرار المناسب بالعدول عن المقاطعة ودعوة انصارها للتسجيل.

ان استمرار المعارضة بانتهاج خيارالمقاطعة سيساهم وبشكل كبير باعادة انتاج نفس المجلس المنحل، وخصوصا ان قانون الانتخابات لم يطاله اي تعديل جوهري، علما انها وبمشاركتها في ظل القانون الحالي تستطيع حصد عدد كبير من المقاعد النيابية وترجمة رؤيتها الاصلاحية على ارض الواقع ومن ضمنها تعديل قانون الانتخابات.

على المعارضة الاردنية تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والآنية الضيقة والتنازل عن مواقف سابقة دون المساس بمبادئها الثابتة، وعدم جعل قانون كقانون الصوت الواحد -والذي اتحفظ عليه شخصيا- ان يحول دون العبور بوطننا لبرالامان.

ان المواطن الاردني اليوم في حالة ترقب، وعلى المعارضة التي اثبتت حكمتها خلال الاعوام المنصرمة وبشهادة ملك البلاد، اتخاذ خطوات ايجابية فيها مصلحة المواطن والوطن مما سيكسبها المزيد من الشعبية.

حان الوقت ان نتوقف عن المزايدات الوطنية ومن قبل جميع الاطراف ونبدأ النظر بجدية الى حال الوطن قبل ان نصبح على ما فعلناه نادمين.


drsamkari@gmail.com
Twitter: @Samkari_Z