الأردن والسعودية .. هل ترضى المملكة أن ترخي حدودها الشمالية؟!!
31-10-2012 01:52 PM
عمون - منذ ثماني سنوات، كانت استراتيجية المملكة العربية السعودية دعم الاردن بكل ما يحتاج، مستندة في ذلك إلى تقارير سعودية وضعت من قبل المراكز العملية القريبة من وزارة الدفاع السعودية، والتي تبنت استراتيجية داخلية وضعت أمن المملكة العربية السعودية الجنوبي والشمالي في كفة واحدة.
وإذ جرى الالتزام الأردني بحفظ الأمن والاستقرار على تلك الحدود، وإذ مثل الأردن موردا كبيرا في الكفاءات البشرية التي تعمل اليوم بالمملكة، فإن الرياض لم تلق ذات الاستجابة من جارتها الجنوبية التي ارهقتها أمنيا، وخاضت مع المتطرفين فيها حربا، راح ضحيتها الشهداء من جنود المملكة العربية السعودية.
وفي حين حفظ الأردن حدوده من كل عبث ما يقض جاره ويخرج من حدوده الجنوبية، فإنه كان يحفظ وجهه والتزامه التاريخي مع المملكة، كي لا يقع ما يجرح الاخوة أو يضيف على المملكة عبئا ثقيلا يضاف لاعبائها الأمنية التي تشهدها كل سنة، مع مواسم الحج والعمرة، وهو في ذلك لا يبتدع علاقة، بل يجد مفهوما مشتركا للتعاون مع الأخ الكبير الذي لطالما دعم الأردن ووقف معه، وفي ثنايا التاريخ ما يجل المملكتين نموذجا حياً على التعاون المثمر في الأمن والسياسة والاقتصاد والتعليم.
ومع تولي الملك عبدالله الثاني سلطاته وقفت المملكة العربية السعودية إلى جانب الأردن، ومضت لعلاقة طيبة حتى تبلورت اقتصاديا في اكثر من مشروع، وكان لزيارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأثر الكبير في وضع دعم الأردن في لبّ معادلة الدعم والأمن الاقتصادي للاردن.
ومع أن توجيهات خادم الحرمين كانت ذات أثر كبير على دعم مسار العلاقة، ومع ان الملك عبدالله الثاني كان وما يزال يعتبر دعم الشقيقة السعودية رمانة الميزان في الدعم العربي والخارجي، وقد اشار إلى ذلك في خطابه قبل عيد الأضحى بامتنان كبير إلى دعم المملكة العربية السعودية، للأردن في مواجهة ارتفاع كلفة الفاتورة النفطية، واصفا الدعم السعودي بأنه «بالكاد غطى فرق السعر»، إلا أن الأردن أمل وينظر مرارا إلى أن دعم العربية السعودية يتجاوز مسألة تسليك الاقتصاد، بل أن العلاقة بين البلدين تتجاوز كل محاولات التوقع بالدعم إلى ما هو ابعد من ذلك، فكلفة أمن الحدود الشمالية والمصالح والرعايا السعوديين لا بد أنها تلقى لدى صانع القرار السعودي أهمية كبيرة، تتجاوز ميزان الدعم المقرر للدول الشقيقة.
وإذ يقف الأردن اليوم وحيدا في مواجهة خياراته الاقتصادية والأمنية فإنه يرمي بكل ما يمكنه من مقومات في سلة أمن الإقليم، وعلى رأسه حدّه الجنوبي الذي لا يقبل الأردن له بالاهتزاز مطلقا، مهما كلفه ذلك من ثمن أو مخاطره، ولو كان على حساب مشاريعه التنموية.
وإذ تقف السعودية كداعم أساسي لاستقرار الاردن، فإن التقارير الاستراتيجية تشير إلى أن الحدود الوحيدة الاكثر أمنا للسعودية هي الحدود الشمالية التي تشكل مدنها المتاخمة للعربية السعودية بوابة أمان واستقرار حضري تنتهي فيه المشاكل التي تسمى عابرة إلى ارض جاراتها السعودية.
في موازاة هذا المنجز الامني الذي يقدمه الأردن للسعودية، ففيه أيضا نحو عشرين الف طالب سعودي، وهناك كفاءات متدربة وعلمية وفنية اردنية تعمل بالعربية السعودية، هي ألاكثر استقرارا من الناحية الوظيفية بالعربية السعودية لاسباب عدة يعرفها السعوديون. وإذا تماثل الدعم السعودي للأردن مع دول عربية شقيقة فإن الاردنيين بدأوا يتحدثون عن شعور بأن الأردن تُرك وحيداً في مواجهة أزمات الاقليم، وهو إذا واجه جبهة مفتوحة على الاحتمالات شمالاً، فإنه ينظر بعين واحدة للإبقاء على التعاون المشترك مع العربية السعودية لحماية امنها الشمالي خاصة وأن المنطقة بدأت تشهد نموا ملحوظا في تصدير السلفيين إلى سوريا.
والخوف هنا من انطفاء نار النموذج السلفي الجهادي في أمكنة اخرى، بحيث تنعطف إلى جهة اخرى وبالتالي تعاني السعودية والأردن معا، شكلا من اشكال حرب الحوثيين.
وعلى أي صورة ما سوف يقع الدعم السعودي، فإن الأردن يدرك جيدا أن خادم الحرمين والدوائر القريبة منه، تدرك أهمية دعم الأردن لضمان المزيد من الاستقرار فيه، ولكي لا يواجه تحديات أخرى غير التي فرضها المشهد السوري ومن قبل العراقي وأهمها الإرهاب الذي عانت منه المملكتان وفي أكثر من حادثة في الخبر والرياض والعقبة وعمان، فإن وشائج العلاقة تظل قابلة للنبت من جديد بما هو افضل.
وإذ تذكَّر الجميع تاريخا ممتدا من التعاون العسكري والاقتصادي بين الدولتين، إلا ان ثمة مسافة باتت تتشكل لدى الاردنيين بان ثمة من يريد للأردن أن يبقى وحيدا، وان تصاب العلاقة بين الدولتين بالمزيد من البرود، وهو ما يجافي شعور ملكي البلدين بأن لا وزن في العلاقات بينهما غير وزن الاخوة المشتركة، لكن في حال انتصر دعاة تقنين الدعم للأردن، فإن دولة مثل الأردن لا تستطيع ان تضمن كل حدودها، طيلة الوقت، والسعودية لا تقبل بأن ترتخي أرضها الشمالية بعدما واجهت ذلك في الجنوب.(الدستور)