في تصريحاته لـ"الغد"، يلوّح وزير المالية سليمان الحافظ، بأنّ الحكومة تدرس العودة إلى سيناريو الأرقام الزوجية والفردية في استخدام السيارات بحسب الأيام. وهو النظام الذي طُبِّق في العام 1991، إبّان حرب الخليج، لمواجهة المخاطر التي كانت تتهدّد مصادر الطاقة-النفط، حينذاك.
ليس هذا فحسب، بل ألمح الحافظ إلى سيناريو موازٍ لذلك، وهو إجراء انقطاعات مبرمجة للكهرباء، عن الطرق والأحياء، بعدما وصلت فاتورة شركة توليد الكهرباء على الحكومة رقماً يصعب الاستمرار معه، ولا يمكن تجاهل الأزمة بعد ذلك.
تصريحات الوزير تضعنا أمام سؤال مؤرق للمواطنين؛ فيما إذا كانوا يفضّلون رفع الدعم عن السلع والخدمات، حتى لو زاد ذلك من فاتورتهم اليومية وضغوط الحياة الاقتصادية عليهم (إذ على الأغلب لن تكون صورة الدعم البديل المقدّم مساوية للكلفة التي سيدفعها المواطن عملياً لارتفاع الأسعار)، أم أنّهم يختارون القبول بنظام الزوجي والفردي، وبانقطاعات مبرمجة للكهرباء؟!
كلا الخيارين صعب، والطبقة الوسطى متضررة أكثر من السيناريو الثاني، بينما الفقيرة متضررة أكثر من الأول، فيما الطبقة الغنية لن تمسّها لا نار الأول ولا الثاني، طالما أنّها تملك أكثر من سيارة، ولديها بدائل في حال بدأت انقطاعات الكهرباء، لكنها بالضرورة تفضل السيناريو الأول، لأنّه لا يمس مباشرةً حياتها اليومية.
على الأغلب مثل هذه "التسريبات" الصحفية بمثابة "بالون اختبار" للرأي العام، الهدف منها تحضير الرأي العام بأسلوب أذكى لتبرير اضطرار الحكومة للالتزام ببرنامج صندوق النقد الدولي الذي يتضمن رفع أسعار المحروقات والخدمات والسلع الأساسية، وهنالك على الرف قرار مجمّد، وآخر بالانتظار قبيل نهاية العام.
ثمة بدائل وسيناريوهات أخرى تُدرس، وسيتم تسريبها، مثل وضع "عدّاد" على استهلاك "الديزل" في المنازل لرفع الدعم عنه. وهي في المجمل سيناريوهات شبيهة تماماً بتخيير رئيس الوزراء المواطنين ما بين رفع الدعم وانخفاض سعر صرف الدينار، ما يعني في المحصلة نتيجة أكثر خطورة من الأولى.
مثل هذه "البدائل"؛ الزوجي والفردي وانقطاع الكهرياء، في جوهرها بمثابة عقوبة للطبقة الوسطى، بامتياز، أو بعبارةٍ أخرى "ترهيب" لها، فهي الأكثر تضرراً منها، طالما أنّ قطاع النقل العام غير مؤهل ولا مهيأ لتقديم خدمات محترمة ومنتظمة للطبقة الوسطى، وهي لم تتعود في سلوكها اليومي عليها كما هي حال الطبقة الفقيرة. وحتى بالنسبة لانقطاع الكهرباء، فستكون الطبقة الوسطى هي الأصلب ضده، وسفضِّل اللجوء إلى الخيار الثاني!
أحسب أنّ هذه البدائل غير واقعية، أو لا تحظى بالأولوية، حتى لدى المؤسسات الدولية، واتفاقياتها مع الأردن؛ فالهدف ليس الحدّ من الاستهلاك، بل رفع الدعم وتخليص الموازنة منه، لكن بهذا "الخطاب الجديد" تسعى الحكومة إلى خلق مناخ إعلامي ونفسي يطوّع الرأي العام، ويحدّ من الصوت المعارض للرفع، ويسهّل تمرير القرارات المطلوبة، بل إيجاد مدافعين عنها من الرأي العام نفسه، طالما أنّ "البديل" أسوأ!
تأتي هذه السيناريوهات والحكومة تعاني من فاتورة انقطاع الغاز المصري، التي تصل إلى 5 ملايين دينار يومياً، وهي تضطر إلى إصدار ملحق للموازنة يصل إلى 800 مليون دينار، بينما ما تزال الحكومة تنتظر المساعدات الشقيقة الموعودة (بعد العيد)، على أمل أن تخفّف قليلاً من نار العجز التي تأكل الموازنة، لكنها بالتأكيد لن تخمدها!
سنكتشف من ردود الفعل فيما إذا كانت الحكومة نجحت، من خلال التلويح بالبدائل المريرة، في تخويف الطبقة الوسطى ودفعها إلى التخليّ عن معارضة قرارات الرفع المتوقعة، والحدّ من الصوت المعارض للرفع بدعوى الفساد وإهدار المال العام!
الغد