يقول مسؤول رفيع المستوى إن 2.2 مليون ناخب ممن سجلوا للانتخابات "أقرضوا هذه الفرصة للدولة"، بانتظار إجراء انتخابات نزيهة للمرة الأولى منذ سنوات.
ويشرح المسؤولون كيف أن من سجل للانتخابات، رغم فجوة الثقة بينه وبين المؤسسات الرسمية، يبحث عن نقطة عبور للبلد، لتجاوز الأزمة الحالية التي هي من أدق المراحل حساسية في تاريخ الأردن.
وليس من المبالغة القول إن إجراء الانتخابات، والمرحلة التي تليها، سيشكلان خطوة مصيرية في رسم مستقبل البلد وما ستؤول إليه الأمور. إذ إن نجاح الانتخابات، من وجهة نظر الأردنيين وليس الجهات الرقابية الخارجية والرسمية المحلية، ذو أثر كبير في تحديد الكيفية التي ستسير بها المسائل خلال الأشهر المقبلة؛ والخيارات محددة: إما الفوضى، أو الاستقرار والمضي قدما.
وعلى جميع المؤسسات الحكومية والأمنية أن لا تخسر رهان المجتمع الذي أقرض الدولة مجددا ثقة "على الحساب"، أملا في أن يستردها عند صناديق الاقتراع. وعلى الجميع السعي إلى إنجاح الانتخابات، كونها اختبارا حقيقيا لمدى تغير عقلية من يدير العملية الانتخابية.
أما معايير النجاح والظفر بثقة الناخبين، فيحددها، بداية، شكل البرلمان المقبل وتركيبته. وحتى هذه اللحظة، لا يبدو مما هو مطروح أن التركيبة المقبلة ستختلف كثيرا عن سابقاتها.
إدخال تغييرات جوهرية على نوعية النواب، بحاجة إلى عمل من نوعية مختلفة، بحيث تسد كل الأبواب أمام الشخصيات "غير المرغوب فيها شعبيا"، والتي تقدر على الوصول إلى النيابة بالمال والنفوذ. وذلك يتأتى من خلال محاربة حقيقية للمال السياسي الذي كثر الحديث عن البدء في استخدامه.
عملية تجفيف منابع المال السياسي، على صعوبتها، ممكنة. إذ إن "إظهار العين الحمرا" لكل من تسول له نفسه استخدام هذا المال، ينجح في بلدنا. فنحن، شئنا أم أبينا، دولة ما تزال مفاتيحها معروفة، والنجاة بالبلد من سيناريوهات سيئة بحاجة إلى استخدام كل المفاتيح لإغلاق أبواب "الشيطان".
إفشال الانتخابات قضية أطرافها مختلفة ومتضادة؛ فالسكوت عن التجاوزات من قبل المؤسسات المعنية هو أحد أسباب الفشل مبدئيا، وهو الطريق إلى أول الخراب، إن ظل اللعب بالمال السياسي بدون ضوابط وعقوبات.
ومن أسباب النجاح أيضا وجود شخصيات وازنة في مجلس النواب المقبل، تحوز ثقة المجتمع إلى درجة يطمئن الناس معها أنهم بأمان، وأن ثمة من يدافع عن حقوقهم وقضاياهم. وفي الوقت ذاته، يلزم أن تغيب شخصيات غير مرغوب فيها، باتت معروفة للرأي العام، عن المجلس المقبل، ليكون له طعم ومذاق مختلفان.
وتجاوز هذا الاختبار/ المحنة بحاجة إلى إعادة إنتاج أدوات جديدة تدار بها العملية الانتخابية، تكفل الوفاء بالعهود المقطوعة بشكل متكرر بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. كما يتطلب ذلك أيضا عقلية مختلفة تدير العملية بروح تعيد بناء الثقة التي فُقدت بعد تجارب مختلفة في تزوير الانتخابات البلدية والبرلمانية.
قانون الصوت الواحد الذي ستُجرى بموجبه الانتخابات قد يفتح هو الآخر بوابة للفشل، الأمر الذي يتطلب التعامل بحكمة مع مخرجات القانون وإفرازاته، لتجنب خلافات تقع هنا وهناك تبعا للنتائج، قد يتم استخدامها لهذه الغاية، خصوصا أن كثيرا ممن سيخسرون الانتخابات تتوفر لهم أرضية قوية، خلقها نهج "تزوير الانتخابات"، تمكنهم من التشكيك بالنتائج.
المزاج العام هو الآخر غير واثق، وما يزال يراهن على نوايا المؤسسات التي نتمنى أن تكسب هذه الجولة، باعتبار ذلك مصلحة للجميع.
لا يكفي عدم التدخل، والتوقف عن إدخال صناديق واستبدالها بأخرى، للحصول على صك براءة من تزوير الانتخابات؛ فالعملية أعقد من ذلك بكثير، وما دمر على مدى سنوات بحاجة إلى عمل مضن ليتسنى إصلاح بعض منه.