لم أتفاجأ من التعليقات، لكني تفاجأت من الكمية .....أصدقائي الساخرون الذين يعتاشون من كتابتهم الساخرة في الصحف.... ببساطة أكلنا هوا مخلوط بروح الخل... والفاعل المرعوب يعود علينا نحن الكتاب الساخرين في الأردن والعالم العربي والعالم أجمع، ويشمل الأحياء منا والأموات ومن لم يولدوا بعد.
علينا ان نلملم أوراقنا ونحشو أقلامنا في أغطيتها، ونبحث لنا عن صنعة أخرى غير الكتابة الساخرة، ربما سأتعلم بيع “الهرايس” من صديقي الفنان زهير النوباني، كما في مسلسل “العلم نور”، او ربما ألحق حالي بالتقاعد المبكر من الضمان الاجتماعي.
أكلنا روح الخل، فقد صار المواطن الأردني أكثر سخرية ونغاشة منا نحن الساخرين المناوبين، فالجوع ليس كافرا فحسب، بل هو عاطل أيضا، وهو أكبر ملهم للساخرين أيضا.
نعم يا سادة يا كرام، صار المواطن الأردني العادي الذي لا يدعي الإلهام ولا يصر على أن الكتابة الساخرة فن صعب لا يصل اليه إلا العباقرة الأفذاذ.... كل ما في الأمر أن المواطن الأردني صار ساخرا متميزا وممتازا فحسب.
رصدت هذه الظاهرة – ظاهر الشعب الساخر- قبل فترة ، لكنها تجلت في أوضح صورها بينما أخونا فيلكس– الرجل الذي نط من الفضاء- ما يزال معلقا في الفضاء، وبأسرع من الضوء، وليس الصوت، سبقته تعليقات الأردنيين على مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة، بعبارات ساخرة رائعة، لم تكتف بمجرد الإضحاك فحسب، بل أنها كانت تنتقد أوضاعا اجتماعية وسياسية يعاني منها المواطن الأردني، ومثال على ذلك سأكرر بعض هذه التعليقات، مع بيان مسبباتها ومبرراتها الموضوعية.
- لو كان فيلكس في سماء الأردن لأصابته رصاصة طائشة.
وهذا تعليق يشي بالخوف الدائم عند الأردنيين من الطلقات الطائشة، خصوصا في مواسم الأفراح، حيث يلعلع رصاص الابتهاج في كل مكان، و يصاب المواطنون كثيرا بالرصاصات الطائشة، ولا يمر أسبوع دون أن يقع ضحايا في الأردن... ضحايا مجرمين لا يعترفون بإجرامهم، ضحايا يتوزع دمهم بين القبائل، نظرا لعدم وجود قاتل “متسلسل” معروف.
- لكان هبط في مخيم الزعتري، والحكومة تنفي ذلك.
وهذا التعليق هو في الواقعة “تعليق” على النفي الدائم الذي يعتمده وزير الإعلام الأردني أسلوبا لنفي كل خبر وحادثة، وعلى هذا النفي بالذات ابتكر الأردنيون عشرات التعليقات الجميلة.
- فيلكس يصرح بأنه رأى المطبات في الشوارع الأردنية من الفضاء الخارجي.
وهذه معاناة مهمة في الأردن، إذ ان بإمكان أي مواطن متنفذ قليلا، أن يحضر القليل من مادة الإسفلت والزفتة ويصطنع “مطبا” قرب بيته خوفا على أبنائه من السيارات المسرعة، حتى امتلأت الشوارع الأردنية بالمطبات، وصار السائق يسير على الطريق وكأنه يتسلّق. المشكلة أن هذه المطبات غير مطابقة أبدا للمواصفات العالمية ولا المحلية.
-لو كان أردنيا لكتب على كبسولته “عضة أسد ولا نظرة حسد”، أو لكانوا قالوا له “القفز بلا سبب، قلة أدب”. وهذا تعليق أردني على العبارات التي تتم كتابتها على السيارات والناقلات الصغيرة.
- لو كان فيلكس أردنيا ، لتم اعتقاله لتجاوزه السقوف.
وهي إشارة الى الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية للعديد من المتظاهرين، تحت حجة تجاوز السقوف، في الهتاف والشعارات.
هكذا....
ورغم أن الكشرة ما تزال “تزيّن” وجوهنا، إلا أننا تحولنا الى شعب ساخر دون أن يتخلى عن وقاره وهيبته المفترضة التي توحي بها النظرة الجادة والكشرة المستتبة بلا هوادة.
ghishan@gmail.com
الاتحاد الظباينة