لا يجوز النظر إلى عيد الأضحى بعين طائفية أو فئوية، ولا يجوز الاحتفال بالعيد بلون متعصب مقيت، كما لا يجوز التصرف بطريقة ضيقة انتقائية، بعيدة عن فلسفة العيد الأصيلة القائمة على الصفاء والتسامح والتغافر والمصافحة الحارة التي تحمل كل معاني الود الصادق بلا تكلف أو تملق، وبعيداً عن المجاملات الزائفة التي لا تعبّر عن نية صادقة مخلصة لطي صفحة الماضي وما تحويه من شوائب تعكر صفو الوحدة الوطنية، أو تقلل من التماسك الأسري والترابط الاجتماعي.
هذا الدين كله رحمة لجميع البشر، ورحمة لكل الخلائق والعوالم التي تعيش في الكون، فلا يجوز تحويله إلى عامل فرقة وصراع، ونفور، ولا يجوز استعماله لتقطيع الأواصر بين الناس، أو لإضعاف الروابط الاجتماعية، أو لإفساد الحياة وجعلها مرة المذاق صعبة العيش وعرة المسلك، فهذا أمر دخيل على الدين ويناقض فلسفة التدين الحقيقي التي ينبغي أن تجعل من المتدين انساناً خلوقاً مهذباً، جمّ التواضع، كبير القلب، واسع الصدر، عظيم الخلق، متسامحاً عطوفاً، يحب الخير لكل الناس، عادلاً في حكمه، لطيفاً في معشره، منصفاً من نفسه، يكره الظلم وينفر من العدوان، عفيف اللسان خفيف الظل، حسن المدخل، وحسن المخرج، لا يرفع صوته فوق ما يحتاج السامع، يمشي على الأرض هوناً، لا يرد الاساءة بالإساءة، وليس جواظاً ولا مستكبراً، لين الجانب يخفض جناحه لأخيه، بلا تكلف ولا نفاق ولا تزلف.
التدين الصحيح ليس بإظهار القسوة ولا بالاتصاف بالغلظة، ولا بتعمد الفظاظة ولا بالميل نحو العنف، ولقد خاطب الله رسوله بقوله: " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" وقال له أيضاً: "وإنك لعلى خلق عظيم"، فلا أدري من أين جاءت القسوة إلى سلوك بعض المتدينين ورسموا صورة مشوهة عن صاحب الدين بأنه إنسان عابس الوجه، حاد القسمات، خشن اللفظ، صعب المراس، عنيف في سلوكه وحديثه، وكأنها صفات المجاهد، ومن قال إن هذه هي صفات المجاهد، أنا أعتقد جازماً أن هذه المظاهر جزء من مؤامرة خطرة على الدين ومستقبله، وهي أكثر خطورة من مؤامرات الأعداء الخارجيين، لأنه ليس هناك أكثر خطورة من الخلل الذي يخترق الفهم ويشوه الفلسفة الجوهرية لهذا الدين.
ومن هذا المنطلق فإن العيد مناسبة وطنية وقوميّة وإنسانية يجب أن نجعل منها فرصة لتصحيح كثير من التصرفات الخطأ، والمسالك المضرة، التي لا تنتسب لهذا الدين ولا تمت إلا تعاليمه بصلة، وفرصة لإعادة صياغة الانسان الصالح المحب لوطنه وقومه ومجتمعه، الذي يعمل على توثيق عرى الاخوّة، ويرسي معالم التسامح والصفح الجميل، وتفويت الفرصة على مثيري الحقد والكراهية والضغينة، والذين يبذرون بذور القطيعة التي تفتك بالنسيج الاجتماعي، وتقطع أواصر الوحدة الوطنية.
في هذا العيد ينبغي اصلاح ما فسد من علاقات، ووصل ما انقطع من أواصر، وأن نجعل من أضحية العيد وسيلة لتقريب البعيد، وصلة للأرحام بين كل فئات المجتمع ومكوناته بلا استثناء، وأن نجعل من مجتمعنا عائلة واحدة متحابة، ترفض التعصب، وتنفر من أدعياء الفرقة على أساس اللون أو العرق أو الجهة أو الدين أو المذهب.
وأن يحرص المسلمون على مشاركة إخوانهم المسيحيين في فرحة العيد، ومشاركتهم في هدايا لحوم الأضاحي، إضافة إلى الأصدقاء والجيران، وأن يجعلوا حصة لإخوانهم الفقراء، وأن يخصوا أشقاءهم في سورية بالنصيب الأوفر.
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم