الزهد الملكي .. والدولة الراسخة
محمد حسن التل
24-10-2012 06:04 AM
* صراحة الملك دليل ثقة بالنظام واستقراره
جاء خطاب جلالة الملك، أمس، أمام الآلاف من أبناء شعبه، على مختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية والحزبية والعشائرية، خطابا تاريخيا، بكل مفاصله ومضامينه، في لحظة تاريخية، يعبر خلالها الأردن، إلى آفاق جديدة، من الإصلاح والتحديث، برؤية صنعها وأرادها، الحكم والشعب معاً، منطلقين من ثوابت الأردن الراسخة، في الحوار والتسامح وقبول الآخر.
أمس، كان جلالة الملك، يعيد التركيز والتأكيد، على أن المواطن، هو الأساس في كل شيء وفي كل مسيرة، وبالذات على جبهة الإصلاح، وأن المواطن، هو صاحب الإرادة الحقيقية واليد الطولى، بتشكيل البرلمان القادم والحكومة البرلمانية القادمة، من خلال مشاركته الفاعلة في الانتخابات وحسن اختياره، فمن أراد التغيير صادقاً؛ فعليه اغتنام الفرصة التاريخية، في الانتخابات القادمة، لا أن يبقى على قارعة الطريق، يرفع الشعارات، التي لا تسمن ولا تغني عن شيء، سوى الإثارة، التي سرعان ما يخبو بريقها الخادع، في الوقت الذي تمضي مسيرة الوطن، نحو هدفها، وسيبقى من لم يشارك، مدحوراً بإرادته هو، وسيظل خارج الإنجاز.
لقد حلّق الخطاب الملكي أمس، بأعلى درجات الصراحة والشفافية، عندما ناقش مفاصل وطنية مهمة، مؤكداً رسوخ معالم خريطة الطريق، على دروب الإصلاح. لقد تعب الناس من اختلاط الأمر، في موضوع الحراك، حيث اشتبكت المفاهيم واختلطت على الكثيرين، فالحراك الوطني البناء، هو الذي يخدم الوطن ويدفع بالمزيد من الإصلاح، والمعارضة الوطنية، كما أشار الملك أمس، طموح إيجابي ومشروع، بل ومطلوب، أما تلك الفوضى، التي تعيث بكل شيء، من خلال الشعارات الفارغة والمشاريع الهُلامية، التي لا تعكس إلا شهوات أصحابها في الظهور، والتطاول على رموز الوطن، وتلك المعارضة، التي يمارسها أصحابها، فقط من أجل المعارضة، فهي مرفوضة وطنياً، لأنها تعطل وتربك ولا تفيد الوطن بشيء.
لقد وضع الملك أمس، يده على واحدة، من أخطر القضايا، التي بتنا نعاني منها منذ سنوات، حيث يتحول معظم المسؤولين السابقين، إلى معارضين، في اللحظة، التي يُعفون من مناصبهم بها، ويبدأون بالنقد الأسود، لكل ما هو وطني ولكل القرارات، التي شاركوا بها، بل والتي صنعوها، ويصبحون «فرساناً» لبعض الصالونات السياسية، التي تبث سمومها في مجتمعنا، ولكن ولله الحمد، مواطننا أذكى من هؤلاء، فهو يعرفهم ويؤشر عليهم، في كثير من الأحيان.
آن لهؤلاء أن يتقوا الله في الوطن وفي الناس، وأن لا ينظروا إلى المنصب العام، كمكسب شخصي وكحق مكتسب لهم. نعلم أننا نعاني من أزمة اقتصادية صعبة ومركبة، ونعلم أنه شابت مسيرتنا في الماضي أخطاء كثيرة خصوصاً على الجانب الاقتصادي، ولكن هذا لا يعني أننا لا نملك إنجازاً ولم نراكم نجاحات على كل المستويات، وبالذات التنموية منها، وظل الأردن مميزاً على كل المستويات رغم شح الامكانات المادية وانعدام موارد الطاقة الذاتية، ولكنه ظل محافظاً على الحد المقبول للحياة الكريمة لمواطنيه رغم كل الصعوبات والتحديات، كما حافظ، والحمد لله، على أمن واستقرار مواطنيه رغم كل النار الملتهبة من حولنا، فأصبح علامة بارزة في هذا الوسط اللاهب.
لقد كان الملك أمس، في أعلى درجات الزهد، عندما أشار إلى أن الحكم في القاموس الهاشمي، ليس مغنماً، بل خدمة ومسؤولية وواجب وتضحية، وأن الحكم لله وحده، لا ينازعه عليه أحد، وأن رضاه جلَّ جلاله، وخدمة عباده، الغاية الوحيدة والأسمى بالنسبة له. بكل هذا الزهد العظيم والهمة العالية، أكد جلالة الملك، أن الدولة الأردنية دولة راسخة ثابتة، ذات إنجاز متراكم، والنظام هو الدولة، بكل مكوناتها، ومؤسساتها، تحت مظلة الدستور، منظومة القيم والمبادئ، التي تقوم عليها الدولة الأردنية.
ما ميز الخطاب الملكي صراحته المطلقة وجرأته الواضحة والتي تؤشر على ثقة كبيرة بقوة الدولة ورسوخها وشرعيتها . لم يبقي الملك امس مفاهيم ضبابية او تابوهات معلقة ، حيث وضع يده عليها جميعا لتنجلي الصورة امام الجميع ويكونوا امام مسؤلياتهم كل في مكانه وحسب اختصاصه لتكون المسيرة مسيرة مشاركة وتوزيع للمسؤولية، وهذا سر نجاح الملك بانه جعل الربيع الاردني بتوفيق من الله عز وجل ربيعا مزهرا بدل ان يكون ربيعا داميا كما نرى من حولنا
لقد عانى الأردن كثيراً، من شح الموارد ومن ظلم ذوي القربى، وذات البعد والأزمات، على امتداد العقود الطويلة، ولكنه ظل ثابتاً راسخاً، لأنه يملك الأغلى، عزيمة الرجال، الذين تحدوا المستحيل بتضحياتهم، التي لا تنسى، لذلك، سيظل الأردن وسيظل الأردنيون، وستمضي مسيرة الإصلاح، كما أرادها الملك والشعب، مسيرة عامة شاملة متراكمة، ولن تلتفت، إلى كل من يريد أن تكون على مقاسه فقط، ومصالحه الضيقة ومطامعه الشخصية. (الدستور)