يؤكّد الرئيس عبدالله النسور (في لقائه مع الكتاب والصحفيين في رئاسة الوزراء قبل يومين) بأنّه لم يُتخذ قرار بعد، سواء برفع الأسعار أو النفي. لكنّ حملته الإعلامية، ولقاءاته المتكرّرة لشرح صعوبة الأوضاع المالية والاقتصادية وبضرورة إنقاذ "الاقتصاد الوطني"، تشي بأنّ الحكومة تحضّر الرأي العام لقرار الرفع، وهو جزء من التزام المملكة بالاتفاقية غير المعلنة (بعد) مع صندوق النقد الدولي، للحصول على الدفعات الأخرى من القرض المطلوب.
مثل هذه القرارات والسياسات، كما يرى المسؤولون، تمثل الحل الوحيد لحماية الدينار والاقتصاد الوطني، وبمثابة "تجرّع السيئ خوفاً من الأسوأ".
وعندما طالبه بعض الكتّاب بتأجيل قرار الرفع إلى ما بعد الانتخابات النيابية، لتتولّى هذا الأمر حكومة لها "أغلبية برلمانية"، أوحى بأنّ هذه القرارات لا تحتمل التأجيل، لأنّ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي تجاوزت عملياً القانون الذي وضعته الحكومة (أي 60 %) إلى ما يزيد على 70 %، ما يشكل مرحلة حرجة تنذر بما هو أسوأ!لا نعرف إن كان بإمكان مساعدات الدول الشقيقة الموعودة قريباً (وفق تأكيدات رسمية سابقة) أن تخفّف من لهيب العجز، وإعادة التفكير في ترحيل "القرارات الصعبة"، ومع استمرار الكلفة اليومية الباهظة للغاز المصري، إلاّ أنّها ستبقى عاجلاً أم آجلاً قرارات "اضطرارية"، وفقاً للمسؤولين، وهي بمثابة "شرط" للمساعدين والمانحين والمقرضين على قاعدة "ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم"!
حجج القوى الرافضة والأصوات الصادرة من الشارع ضد رفع الأسعار تتذرّع بأمور عدة، على رأسها موضوع الفساد؛ بتحميله وزر المديونية والعجز وإهدار المال العام. ويجيب النسور على ذلك بأنّه قارع الفساد بكل قوته وهو نائب، وأنّه ضد إغلاق ملفات الفساد. إلاّ أنّه برغم ذلك، فمحاربة الفساد تكون عبر القضاء، ولا تستطيع الحكومة الدخول بدبابات ومدرّعات إلى منازل الناس بدعوى اتهامهم بالفساد، ولا يعقل انتظار انهيار الاقتصاد الوطني بذريعة الفساد، فهما -ضمنياً- مساران مستقلاّن، لا يجوز الخلط بينهما!
على هذا الصعيد، أكّد الرئيس نيّة الحكومة تأسيس لجنة خاصة (تتكون من خبراء دوليين ومحليين) لدراسة عملية الخصخصة التي حدثت ونتائجها، وتحديد الأخطاء التي وقعت فيها، حتى ننتهي وبصورة قطعية وحاسمة من أسر تلك المرحلة والسنوات وما تمّ فيها.
وضع الرئيس نفسه والحاضرين أمام خيارين:
الأول؛ أن يمضي "المرحلة الانتقالية" المخصصة له، ويحافظ على "رصيده" السياسي، ولا يكترث بالأزمة المالية، ويماطل في تطبيق البرنامج الاقتصادي (المبني على الالتزام مع صندوق النقد الدولي)، بخاصة أنّ المدة المحدّدة لحكومته تنتهي مع تشكيل الحكومة النيابية.
والثاني؛ أن يتخّذ الإجراءات المطلوبة لحماية الاقتصاد الوطني، حتى لو كانت كلفة ذلك شعبيته، طالما أنّ البديل هو انهيار الدينار والاقتصاد، ما يؤدي في نهاية اليوم إلى نتائج مقلقة أكثر خطورة على المواطن نفسه وعلى الأمن الوطني. بهذه المرافعة يقدّم الرئيس محاججته لأي خطوة متوقعة تقوم بها الحكومة لرفع الأسعار، وتغيير سياسات دعم السلع لتوجيهه إلى الطبقات والأشخاص المستحقين له، مع تأكيده على أنّ البدائل ما تزال في طور الدراسة ولم تحسم بعد.لا أعلم إن كان الرئيس نجح بالفعل في وضع الناس أمام مشهد أكثر خطورة في حال بقيت الحكومات مترددة في الالتزام بالبرنامج الاقتصادي، لكنّه يصرّ على وضع المواطنين أمام هذين الخيارين؛ فما رأيكم؟!
m.aburumman@alghad.jo
الغد